شكّل منع طائرة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من الهبوط في مطار عدن في شباط/فبراير الماضي النقطة الفاصلة التي كشفت عن خفايا خلاف بين السعودية، باعتبارها الراعية الكبرى للشرعية اليمنية ورئيسها هادي، والإمارات التي كشفت بتلك الحركة القاسية عن نفوذ كبير لها على أطراف وقوى عديدة في اليمن، وعن اختلاف في أجندتها السياسية وتصوّراتها للسيرورة التي تريدها لليمن عن موقف القيادة السياسية في الرياض.
استدعت تلك النقلة المفاجئة تداعيات ما تزال تتفاعل في الساحة اليمنية، بدءاً من محاولة قوات هادي انتزاع المطار من قوات «الحزام الأمني» إثر الحادثة الشهيرة وليس انتهاء بإقالة محافظ عدن عيدروس الزبيدي المحسوب على الإمارات وتعيين عبد العزيز المفلحي الذي زار عدن قبل أيام حيث قام ببعض الاجتماعات وألقى بعض الخطب ثم قفل عائداً إلى السعودية!
غير أن ما فعله هاني بن بريك، القيادي السلفيّ المدعوم إماراتياً والذي قاد قوات حراسة مطار عدن وحظر طائرة هادي من الهبوط، وكانت نتيجته عزله من مهامه الوزارية، وما تلى ذلك من أحداث، وخصوصاً المظاهرات الكبيرة التي نظمها الحراك الجنوبي والتي طالبت محافظ عدن المقال بتشكيل «هيئة سياسية» برئاسته تجاوز في الحقيقة مسألة نزاع سعودي ـ إماراتي وكشف عن تصّدع كبير في مشروع الوحدة اليمنية التي تعرّضت لشرخ كبير خلال الحرب بين اليمنين وحملت، بعد انتصار قوّات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، طعم الهزيمة الذي ساهم الاستبداد والفساد والبطش بتحويله إلى تيّار يطالب بالانفصال.
لا يتجاهل هذا الصراع ضمن أطر الشرعية اليمنية وجود صراع أكبر مع تحالف الحوثيين وقوّات علي صالح فحسب بل يكاد يكون مرآة له، حيث تتصاعد الأنباء عن خلاف بين صالح والحوثيين، كما هو حاصل بين هادي والحراك الجنوبي، وفيما تتآكل جبهتا الشرعيّة والمتمرّدين، وتتواجه السعودية وحليفها الإماراتي على رقعة الشطرنج اليمني، تتابع الطائرات الأمريكية من دون طيّار مهمتها التي لا تكلّ ولا تملّ في مطاردة تنظيم «القاعدة» من السماء، فيما التنظيم يتربّص بكلّ هؤلاء ويساهم في تعقيد صورة الوضع اليمني الذي يزداد مأساوية ويهدّد الملايين من المستضعفين اليمنيين بالموت جوعاً وفقراً وحصاراً وقتلاً.
ساهمت الخلافات بين الحلفاء الخليجيين، قبل ظهورها إلى العلن في إضعاف حرب التحالف على الحوثيين وصالح وقيل إنها تسبّبت في عرقلة تقدم قوّات الشرعية اليمنية في مدينة تعز، وتحدّثت مصادر إعلاميّة عديدة أن مشاركة أبو ظبي، التي تعتبر القوّة الجوّية الثانية في تحالف «إعادة الأمل» لا تعني أنها ترغب في نجاح السعودية وهو ما أفصح عن نفسه من خلال أحداث عدن، وكذلك في مواقف أبو ظبي التقليدية ضد أي مشاركة سياسية لحزب «الإصلاح» (الفرع اليمني للإخوان) في حكومة هادي أو ضمن حربه على الحوثيين وقوات صالح، وفي رغبتها في دور عربيّ أكبر، وهو ما تجلّى بوضوح، إضافة إلى اليمن، في الأزمات السورية والليبية، وكذلك في دعم حركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العسكرية وأحزاب سياسية تونسية مناهضة لتيار «الإسلام السياسي».
والحقيقة أنه ما كان ممكنا للاختلافات السياسية السعودية ـ الإماراتية أن تظهر لولا تراكبها على شروخات وتصدّعات سياسية عميقة في اليمن، وهي إن كانت قد أججتها وأظهرتها إلى العلن بهذا الشكل الكبير فهذا لا يعني أنها لم تكن موجودة وأنه يمكن الالتفاف عليها وتجاهلها.