محذوران يستحوذان على عقول وسلوك الشعوب العربية . تراجعت أمامهما وغابت قضايا الأوطان واحتلالها والأمة وتخلفها وفقرها وجهلها وقيمة الحياة وقيم الانسان وحريته وكرامته. وكلا المحذورين سببا أساسيا لتخلفها وجهلها وانكسارها وانحدارها الى طريق العبودية . الأولى هي القبيلة والقبليه ، والثانية ، مسخ الدين في المرأة والحجاب والخمره.
إن أعدأ العرب الذين انعتقوا من كل محذور يعيق تحقيق حقوق الانسان ووطنه واختطوا طريق إعمال العقل والحريات في مؤسسة الديمقراطية ، يعززون تكريس المحذورين فينا بطريقتهم كوسيلة يستخدمونها لتحقيق مآربهم .
سأترك الحديث عن المحذور المرمي علي الدين لمقال منفصل لضيق الحيز واكتفي بالقول عنه بأن المرأة والحجاب والخمره جُعلت مركز ومحور الدين ورسالته عندنا ، ومعيار للمسلم من غيره والفرق بين الصالح والطالح والطريق للجنة او النار ، وليس للوطن واحتلاله والأمة وتخلفها وفقرها واذلالها اعتبار في هذا . فهذا كله من الله وعلى الله ولا يخصنا أفرادا وجماعات فللكعبة رب يحميها .ومفهوم الدين هذا يسود عامة الناس عندنا وتم تصديره للأخرين من الشعوب الاجنبية المسلمه وغير المسلمه ..
أتحدث عن القبلية مفرقا بينها وبين القبيلة ، فالأخيرة وحدة اجتماعية لمرحلة مبكرة في حياة البشر وتتأكد حاجتها في غياب الدوله ، فهي ليست من سمات العصر ودوله ولا ثقافته . في حين أن القبلية تشويهاً مطورا من القبيلة ألصق بها في ردة تاريخية لانسان الغاب . انها تمثل البرجماتية والمادية والنفعية والنفاق ودبلوماسية النفاق ، وسمى ألعرب أصحابها بالأعراب ، فلا الوطن ولا السياسة والمستقبل ولا الدين ولا المثل يشكل جزءا من حساباتها .
لكنها تلتقي مع القبيلة او العشيرة في أنهما النقيض للمصلحه العامة ولمفهوم الدولة والمواطنه ، والمعيق لمفاهيم العدل ولمساواة والتطور والتقدم خطوة للأمام . وضوابطهما مقدمة في كثير من الاحيان على ضوابط الدين .
لقد وَجدت القبيلة او العشيرة في بلادنا نفسها بعد الحرب العالمية امام امر واقع في كنف دول مسيجه ،بسلطة مطلقه وقوة غاشمه ، وأصبحت القبيلة تنظر للدوله وكأنها ديره لشيخ مشايخ تسكن فيها ، يملك المال والجيش والاسلحه والقوة التي لا تقاوم وقادر على الحاق الضرر بها او مدها باحتياجاتها او حرمانها منها . ومن هنا فإنها تعرف الطريق لتحقيق مصالحها ، كما يعرف شيخ المشايخ أو الحاكم العربي طريقه في التعامل معها ، فكان مسخها.
فالإبقاء على القبيلة وترسيخ القبلية فيها سياسية استعمارية وبضاعة حملتها الى كل الدول العربية ، تقضي فيها على تأسيس دولة الأمة من خلال احلال الهويات الفرعية على حساب الهويه الوطنية اوالقومية الجامعه وانهاء فكرة المواطنة الحقيقية وفصل ناس الوطن عن عن الوطن وقضاياه.
فالدولة العربية ومنها الأردن احيت القبلية من ركام القبيلة بعد أن طوعت سلوكها بالتلاعب بهيكليتها واختراق نظام شيختها التقليديه لصنع مشايخ جدد فيها تؤهلهم لتقديم الخدمات لافرادها لعزل الأصوات الحرة فيها واستخدامهم لتنفيذ السياسات باسمهم في الوزارات والمؤسسات المدنية والعسكرية ومجالس النواب والأعيان بنظام المحاصصه وصولا لإحكام الشرعية والحفاظ على القبول الشعبي الوهمي وتعزيز السلطة .
لم تُتح الفرصة للفرد العربي أن ينعتق من عقال العشيرة وحاجته لها الى عقال الدولة التي تؤمن ما يحميه ويؤمن احتياجاته المتطورة بالطريقة المثلى ، ولا أن يوسع اهتماماته لتشمل الوطن والدولة الوطنية وقيم العصر . ولم تسع انظمة الدول العربية الناشئة بعد الحرب العالمية إلى تغيير الفكرة القبلية او تفكيكها لصالح الدولة الوطنية ، وبقي انتماء الفرد الذي يسمونه مواطن للقبيلة التي يلجأ اليها لحمايته ولكن هذه المرة من قانون الدوله عندما يتطلب الأمر مقاضاته اوتقاضيه وعندما يرغب بتحصيل مصالح شخصية لكونه منتميا لعيشرة تحسب لها الدولة حساب .
وفي المحصلة فقد مثلت القبيلة والقبليه انتماء الانسان لمصالحه البيولوجية من واقع اليأس بطريقة فجة وغير مضمونه بمعزل عن انتمائه الحقيقي للدولة . بمعنى أنه سيرتد عليها عند تغير الميزان المادي .
ولدينا امثله تؤكد تراجع الوطن والدوله والارتداد عليها وغياب الانتماء لكلا القبيلة والقبليين امام تهديد مصالحهما من اي جهة اخرى . فقد رأينا العشائر تتعايش مع الاحتلالات والمشاريع الاستعمارية ، ورأينا قبائل اليمن وسيناء تنضوي تحت سلطة القاعده وداعش أمام غياب تأثير الدوله .
وفي بلدنا الاردن شاهدنا في الفترة بين 1968 و1970 حين انفلت الأمن وتهدد النظام السياسي ومؤسسات الدولة وهويتها كيف ارتدت العشائر والمشايخ على الدولة والسلطة وتعاونت مع من أصبحت بيدهم القوة والنفوذ والتهديد . بل أن الدول العربية التي عقدت معاهدات صلح مع دولة الاحتلال كان تبريرها لشعبها بأن ذلك سيحقق له المال والرخاء ولم يكن تبريرا سياسيا او طنيا .فهل الشعوب العربية قادرة على تأسيس مؤسسات مدنية توعوية في مواجهة سياسة القبلية كخطوة اولى نحو بناء الامة والبقاء.
ها قد وصلنا واوطاننا وقضايانا لمرحلة النهاية مع حكامنا ، يكشفون فيها عن طبيعتهم وحقيقتهم بألسنتهم ، ويكشفون هويتهم وادوارهم وانجازاتهم وأسباب وجودهم للبسطاء والمغرر بهم ، بأفعالهم وأقوالهم المعلنه وضرباتهم القاضيه . وإن نظرة لما نشهده ونعيشه في لحظة المواجهة مع الحقيقه ، يجعلنا نقول لهم ، لقد سُخِّرتم لما هو أعظم مما سُخرت له داعش والقاعده ، ومُنحتم مدة أطول وولاية أصعب وأخطر ، وفعلتم في شعوبكم وأوطانكم أعظم مما فعل الارهاب ، فأين مصلحة الشعوب في حروبكم وسياساتكم، وأينها في وجودكم وأنتم تسوقونها لتكون اول امة في التاريخ تُستعبد؟ وهل من العدالة بشئ أن يكون مصيركم كمصير قيادات داعش والقاعده ؟.