الصباح اليمني_مساحة حرة|
تسعة عشرة عاما فصلت بين نكبة 1948 و بين نكسة 1967 و منذ ذلك التاريخ و نحن نسير بين نكبة ونكبة وبين نكسة واخرى جعلت العقل العربي المهزوم و معه المجتمعات العربية تعيش بدورها على وقع توتر الازمات و الانهزامات التي ترفض أن تغيب عن المشهد وكأنها تقبل بتأبيد الامر الواقع و القبول بالقضاء و القدر المحتوم الذي يقودها منذ عقود و يفرض عليها ان تكون في الافضل الاحوال مجرد شاهد ثرثار على الاحداث من حولها فلا هي قادرة على ان تكون فاعلة فيها ولا هي قادرة على تغييرها او تجاوزها ..
قد يعتبر البعض ان اللحظة لم تحن بعد للانقلاب على ما هو سائد والتوجه نحو التغيير الجذري الذي يمكن ان يقلب حياة الشعوب المنهكة و يخرجها من حالة الخمول والتقوقع و الرضا بالهوان الى حالة التجديد و صناعة واقع مختلف متحرر من قيود الفقر و الجهل و التخلف التي تمثل المثلث الراعي لاخر و اسوا التصنيفات التي يمكن ان تحظى بها الامم و الشعوب …نقول هذا الكلام على وقع حلول الذكرى الخامسة و الخمسين للنكسة و قبلها ذكرى النكبة التي تحمل معها سنويا فرصة لاستحضار اسباب الهزيمة التاريخية التي وقع فيها العرب و لكن دون ان يكون لهذه الذكرى فرصة لا للتقييم فلم يعد لهذا التقييم معنى و لكن بالاحرى فرصة لاستعراض ما بقي من بدائل ان وجدت و التفكير العملي للبناء عليها و الخروج من دائرة عقلية الهزيمة و البقاء خارج التاريخ و خارج الجغرافيا و خارج المنطق الى دائرة صنع الحدث و استعادة موقع تحت الشمس …
طبعا ليس الشعب الفلسطيني المعني بهذا الموقف فهناك على ما بقي من أرض فلسطين على الاقل شعب برغم الحصار و التجويع و التقتيل اليوم و ارهاب الدولة الرسمي الذي تمارسه سلطة الاحتلال شعب يرسم كل يوم خلف الحواجزالالكتورونية و خلف قيود السجان ارادة من اجل الحياة و البقاء و الاستمرار…لا خلاف ان الحديث ايضا لا يشمل النخب التي امتهنت المزايدات و غرقت في الصراعات و الخلافات من اجل سلطة وهمية مزيفة تحت مظلة الاحتلال و لكن الامر يتعلق بمن يتنفسون القضية و يحملون هم اطفالها و نساءها و اشجارها في دمهم و يتعلق ايضا بجيل بدأ يهيمن على المشهد و يزعج سلطات الاحتلال بجراته و شجاعته ووعيه و ايمانه بقضيته و الاكيد ان اخبار هذا الجيل ستتلاحق و ستؤكد للجميع ان هناك عقلية جديدة بين هؤلاء الشباب في جنين و في الخليل وبيت لحم و الاقصى جيل شيرين ابو عاقلة و غفران وراسنة الذي لا يمكن الاستهانة به …
و لكن المعني ايضا هنا كل الشعوب و المجتمعات التي استبد بها الجمود و كبلها الفقر المادي و المعنوي و حولها الى مجرد رعايا في اوطانها تعيش على استهلاك ما يقدم لها من بضائع مستوردة تباعد بينها و بين استقلاليتها و تفرض عليها مزيد الارتباط بمن يمتلك صفقات تزريدها بالغذاء و الدواء و التكنولوجيا الحديثة و كل وسائل الاتصال الحديث في زمن الرقمنة و التي تمنح فرصة ممارسة حريتها في التعبير و في جلد مسؤةليها و في انتقادهم ليلا نهارا دون ان يكون لذلك ادنى وقع على خياراتهم السياسية و توجهاتهم المدمرة الغارقة في العبث …
الخامس من جوان 1967 حدث تاريخي فارق ..صحيح اننا لم نعش وقائعه تماما كما لم نعش وقائع النكبة و لكننا قرأنا في كتب التاريخ كيف هزمت الجيوش العربية أمام جيش الاحتلال في ما بات يعرف بمعركة الايام الستة و خسرت الضفة و القطاع و القدس اضافة الى الجولان السوري و سيناء المصرية و قرأنا الاهم من كل ذلك في الواقع اليومي كيف عجزت كل تلك الشعوب و جيوشها و حكامها و على مدى اكثر من خمسة عقود من كسر عقدة الهزيمة التي ترافقها و الخروج من دائرة الجمود والانهيار و السقوط الذي ابتليت به ..و منذ ذلك التاريخ ظلت اسرائيل تتوسع و تتمدد كما ظلت تعزز ترسانتها العسكرية و الاقتصادية و العرفية و العلمية ..صحيح ان كل ذلك كان بدعم من الغرب و تحديدا من الحليف الامريكي و لكن في المقابل لم يقم العرب في الجانب الاخر بما يمكن أن يوحي بوجود عقل مفكر أومشروع أوخطوة للخروج من دائرة الهزيمة التي ظلوا يجرونها حتى اليوم لتفرض على جزء من هذه المجتمعات القبول بالتطبيع و الانخراط وراء خيار ربما يعتقدون انه الافضل لهم لتجاوز العثرات و تحقيق ما لم تحققه الصراعات و الحروب و الصدامات و هو منطق الحقيقة غريب و يعكس عقما و محدودية في التفكير و سيكون من الغباء الاعتقاد ان اسرائيل يمكن ان تعطي او تقدم او تتنازل عن شيء لاي كان فالعقلية الاحتلالية الصهيونية قامت على التوسع و الاستيطان و ستظل وفية لهذه القناعة مهما بلغ حجم التنازلات و تعمقت مشار عطف الحكومات العربية …
الاكيد ان العقل العربي المحكوم بهزيمته قد خرج من اطار قمة لاءات الخرطوم و لكن دون ان يحدد وجهة بوصلته التي ضاعت بين تعقيدات المشهد و و انعدام البدائل و الخيارات … هل يحتاج العقل العربي اليوم ثورة تخرجه من غياهب عقلية اهل الكهف و تدفع به الى عالم الحداثة المعاصر ام يحتاج الى علاج او العلاج بالكي حتى يستعيد الوعي المفقود و يتخلص من قيود زهايمر العصر الذي ابتلي به ام يحتاج الى عالم جديد غير العالم الذي نشأ ترعرع فيها قد يستطيع الانعتاق و معانقة الابداع و الابتكار …اميحتاج لكل ذلك و لغير ذلك ايضا حتى يستعيد مواطنته و انسانيته كرامته الممسوخة …
خليك معنا*كاتبة تونسية
نقلا عن رأي اليوم