الصباح اليمني_مساحة حرة|
تمر علينا هذه الأيام مريرة عصيبة، نفقد فيها علماء أجلاء، بلغنا منهم طيب الذكر وحسن الأثر؛ وما أن يصلنا نعي أحدهم حتى يأتي من بعده نعي آخر.
رحم الله أستاذنا وفقيدنا البروفيسور عبدالرحمن عبدالواحد الشجاع.
تأتي مشاركتي هنا بمقال تحت عنوان “الشجاع العالم الحكيم أوحد زمانه”
لقد عرفت الأستاذ الدكتور عبدالرحمن عبدالواحد الشجاع وأنا في السنة الأولى من العام الجامعي 2008م في أولى محاضراته لمقرر تاريخ اليمن الإسلامي (1)، وقد تم جمع قسمي التاريخ والدراسة الإسلامية في هذه المحاضرة التي أقيمت في قاعة الأكوع بكلية الآداب جامعة صنعاء؛
ولكونها السنة الأولى بالنسبة لنا ولكثرة عدد الطلاب لم يكن أستاذنا الشجاع يعرف أي طالب منا.
وفي السنة الثانية، درسنا معه مادتي تاريخ الخلافة الراشدة وتاريخ اليمن الإسلامي(2)، وقد وفقت في تلك المقررات بحصولي على درجات عالية بتقدير عام ممتاز .
وبعد أن أنهيت مرحلة البكالوريوس، شرفت بالتتلمذ على يديه في مرحلة التمهيدي ماجستير وفي الماجستير ايضآ وكذلك في طور الدكتوراه، فكانت مرحلة التمهيدي ماجستير بداية التعارف مع أستاذي عبدالرحمن الشجاع عندما كان يدرّس مادة قاعة بحث وتحقيق مخطوطات.
ومنذ ذلك الحين ربطتني بأستاذي علاقة أبوية صادقة متميزة، علاقة الأب مع ابنه، وعلاقة الأستاذ بتلميذه …
ورويدآ رويدا تعمقت علاقتي بأستاذي الشجاع – يرحمه الله- بعد موافقته على الإشراف على رسالتي في الماجستير والموسومة بِ “الأعمال الخيرية في عصر الدولة الرسولية” (626_858 هجرية) ، وكذا أطروحتي للدكتوراه المعنونة ب” السياسة المالية للخلافة الأموية” (132 -41)
وخلال إشرافه علي أولاني الاهتمام والنصح، وأتحفني بتوجيهاته وإرشاداته، وغمرني بفيض علمه وغزارة فهمه ونبل أخلاقه وحسن تعامله؛ فلم يدّخر جهدا في سبيل مساعدتي والوقوف إلى جانبي في أحلك الظروف.
لقد كنت دائم الاتصال بأستاذي الشجاع سواء عبر التلفون -لاسيما في المناسبات الدينية (الجمع والأعياد) – أو من خلال الذهاب إلى منزله وذلك لمناقشة بعض فصول الأطروحة، فكان يستقبلني بحفاوة وإكرام، وعادة ما كان يسجل ملاحظاته وتصويباته بالقلم الأحمر .
وما أن ننتهي من ذلك كنت أسلم عليه، وأستسمحه بالمغادرة؛ فعند الخروج كان يأبى إلا أن يودعني فيمشي بجانبي حتى بوابة حوش منزله البعيدة عن مجلسه ببعضة أمتار تواضعا وتكريمآ من عالمٍ جليل لضيفه وتلميذه …حقا لقد أخجلني بتواضعه الجم .
ولم تتوقف علاقتي بأستاذي البروفيسور عبدالرحمن الشجاع حتى أثناء مرضه؛ فقد وفقت بزيارته مرتين، المرة الأولى كانت برفقة البروفيسور رضوان الليث، أما المرة الثانية فكانت بمعية أساتذتي الأجلاء بقسم التاريخ .
وخلال مرضه وحرصا مني على عدم إزعاجه، استمرّ تتبعي للاطمئنان على حالته الصحية عن طريق التواصل بابنه المهندس أحمد عبدالرحمن ..
وظل الحال كذلك حتى فجعنا بخبر حزين عبر وسائل التواصل الاجتماعي أبكى مدامعنا وهو خبر رحيل عالمنا وشخينا وأستاذنا إلى جوار ربه…
وحتى اللحظة والعقل يأبى أن يستوعب هذه الفاجعة والحزن العميق على فقدان هذه القامة العلمية… فرحيل أستاذنا يتّم طلاب علم التاريخ ومؤرخيه قاطبة.
لقد كتب كثير من الأساتذة والزملاء عن مناقب فقيدنا العزيز البروفيسور عبدالرحمن عبدالواحد الشجاع وأشاروا إلى جوانب عديدة من حياته العلمية والعملية، وجميعهم قد أثنوا عليه شيخا جليلا وأستاذا مؤرخا وعلما من أعلام التاريخ الإسلامي.
ولئن كانت هذه المساحة لاتكفي للتذكير بجميع مناقب أستاذي وخصاله تجاهي لكن حسبي أن أذكر بعضا منها:
– أن شرفني بقبول الإشراف علي في الماجستير والدكتوراه
– تنازل عن مستحقات الإشراف الخاصة به إذ جعلها هدية منه لابني …
لقد كان -رحمه الله – مثالا رائعا للعلاقة بين الأستاذ وطلابه، وصاحب مدرسة علمية تاريخية، وكان على طلبة العلم من محبي الفقيد الذين يرغبون في الالتحاق بهذه المدرسة الرحلة إلى صنعاء حيث يتواجد الشجاع للأخذ على شيخنا ومؤرخنا.
.فقد كان يدخلهم في أحداث التاريخ ويخوض بهم في عبابه الزاخر.
وكل من ارتشف من هذه المدرسة أصبحوا الان يخدمون العلم، ويتقلدون مناصب التدريس في الجامعات اليمنية والعربية ايضا…
ولا جدال في أن أستاذنا الشجاع كان المرجع لكل من أراد أن يتخصص بتاريخ اليمن الإسلامي أو تاريخ صدر الإسلام.
وهنا لن أتطرق إلى إسهامات الفقيد العلمية والعملية لأنها مدونة في موقعه على شبكة الأنترنت…بل سأتناول أسلوبه في الكتابة التاريخية..
قبل ذلك لابد من التنويه إلى أن تخصصه الدقيق في تاريخ اليمن الإسلامي كان له دور بارز في التعريف بتاريخ اليمن خلال العصر الإسلامي سياسيا واقتصاديا وفكريا وثقافيا وحضاريا واجتماعيا..
أما عن تاريخ صدر الإسلام فيكفيه أنه استطاع ان يقدم صورة أكثر دقة وموضوعية من خلال العديد من الدراسات التي عنيت بعهد النبوة وعصر الخلافة الراشدة التي أخذت من وقته اكثر من عشرة أعوام.
لقد اتسمت كتاباته بالموضوعية والتجرد من الميول الذاتية كما اتسمت بالمنهجية والحياد، فكان -رحمه الله – يبني مادته من مصادرها الأصلية باحثا عن الحقيقة التاريخية مفندا المقولات الضعيفة بالحجج والبراهين والأدلة البينة.
واعترافا بدور فقيدنا ونتاجه العلمي لا سيما في كتابة التاريخ الإسلامي وحضارته فقد منح درع شوامخ المؤرخين العرب من قبل الأمانة العامة لاتحاد مؤرخين العرب في القاهرة عام 2006م.
وبذلك يمكن القول عنه: “الشجاع العالم الحكيم أوحد زمانه”
وقد مر أمامي طيفه ومعه ذكريات خالدة أيام الدراسة والإشراف داخل الحرم الجامعي وخارجه وما أجملها من لحظات! حضيت بها برفقة المغفور له بإذن الله تعالى وثلة من الأساتذته والأصدقاء والزملاء .
فمما يستحضرني من الذكريات مع فقيدنا العزيز الهدية الثمينة المقدمة لي من قبله ومن قبل زوجته الفاضلة أم بلال لزوجتي عقب زواجنا.
ومنها- أيضا- الكتب التي أهداني إياها ،بعضها من مؤلفاته كتاريخ اليمن في الإسلام “في القرون الأربعة الهجرية الأولى”، وبعضها الآخر في مجال تخصصي كتاريخ الدولة الأموية لمؤلفها الدكتور الصلابي.
ناهيك عن عشرات الصور التذكارية التي تم التقاطها معه وما زلت أحتفظ بها في إرشيفي الخاص حتى يومنا هذا.
ومنها -أيضا- أتذكر المأدبتين اللتين جمعتني به في بعض مطاعم العاصمة صنعاء عقب مناقشة رسالتي للماجستير وأطروحتي للدكتوراه.
ومن ذكرياتي مع أستاذي البروفيسور عبدالرحمن الشجاع -رحمه الله- العشرات من الرسائل والإفادات التي كان يحررها بناء على طلبي إلى رئاسة القسم وعمادة الكلية والدراسات العليا.
هذا بالإضافة إلى الرحلات، خاصة تلك التي قام بها إلى محافظة إب خلال الإجازة الرسمية؛ فكانت مقابلتي له مصادفة دون ترتيب مسبق.
ومن الذكريات إلى المواقف المحرجة أمام أستاذي الشجاع وإن كانت قليلة سأقف عند واحدة منها …ففي أحد الأيام قابلت أستاذي الشجاع في الممر المؤدي إلى مكتب عميد كلية الآداب؛ فسلمت عليه وبسرعة مذهله نظر إلى أصابعي فلمح أظافري وكأنها قد تطول فهمس لي في اذني “من اي مقوات أتيت”(وكأنه يقول : هذه أظافر مقوت وليس طالب) حينها ارتبكت وتصببت عرقا وهرعت مسرعا إلى إحدى البقالات خارج أسوار الكلية لأشتري مقص أظافر كي أقوم بتقليم أظافري التي كادت أن تكون طويلة بالفعل …فهو هنا يعلمنا درسا في النظافة إلى جانب دروسه في الأخلاق.
كان أستاذي -رحمه الله – لا يشرف علميا على الطالبات ليس انتقاصا في حقهن بل ربما لأن وضعهن يختلف تماما عن وضع الطلاب كون الإشراف يستدعي الجلوس لساعات طويلة كما يستدعي أيضا الذهاب إلى منزله
أخيرآ، الشيء الذي كان يزعج أستاذي هي (الزغاريد) عقب المناقشات العلمية؛ لأن القاعات قد خصصت للعلم لا للمناسبات والأعراس حد قوله.
ختامآ، أترحم على روحه الطاهرة وأسأل الله عز وجل أن يسكنه فسيح جناته ويجزيه عنا خير الجزاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
مرفق إليكم بعض ما بحوزتي من وثائق …صور، وهدايا، ورسائل(إفادات).
متابعينا الكرام يسعدنا متابعتكم لنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي:
_ قناتنا على التليجرام:
_صفحتنا في الفيس بوك:
facebook.com/الصباح-اليمني-1175312639244638
_مجموعتنا على الواتس آب:
https://chat.whatsapp.com/JMXW58RmXDl9DsAG7hCjcm
_الصباح اليمني:
https://alsabahalyemeni.net/