يكاد لا يخفى على متابعي الشأن الخليجي عامة والسعودي بشكل خاص حجم التخبط الذي تمر به المملكة العربية السعودية فيما يخص سياستها الخارجية، حيث يعتبر الكثير من الخبراء بأن المملكة تمر بأسواء حالة من التخبط في تاريخها الحديث وذلك منذ تأسيس عبد العزيز المملكة العربية السعودية في عام 1939، وذهب كثيرون إلى ابعد من ذلك مبينين أن ما تمر به الرياض اليوم يعتبر أخطر مراحلها السياسة منذ تاريخ الأسرة السعودية في 1745 من القرن الثامن عشر.
ويرى الخبراء بأن السعودية لم يعد بمقدورها التكتم وإخفاء حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها المملكة في ظل فشل الطبقة السعودية الجديدة في التعاطي مع الأزمات الخارجية الطارئة. والتي تزامنت مع انهيارات في النفوذ السياسي الخارجي السعودي في كل الأبعاد و الإتجاهات، وهزائم عسكرية وسياسية متلاحقة ابتداءاً من سوريا مروراً باليمن انتهاء بمواجهة إيران، وفشل الحصار الرباعي التي تقوده الرياض على قطر..
فشل في الجنوب.. مستنقع اليمن
أما في اليمن، الجانب الآخر للجزيرة العربية ونتيجة الفشل في الأزمة السورية، غيرت السعودية سياستها من تبني المغامرات وحيدة الى إشراك الدول حليفة لها بالخسارة مثل الإمارات، فقامت بشن حرب ضروس على اليمن بهدف فرض الوجود والتعبير عن القدرة. إلا أنها غرقت في المستنقع اليمني وإنعكست نتائج الحرب السلبية عليها على الصعيدين الداخلي والخارجي. فالمشكلة ليست في إعلان الحرب بل في كيفية إنهائها، فملايين الدولارات النفطية التي ضختها السعودية في هذه الحرب، لم تحقق نتائجها المرجوة بعد مرور ثلاثة أعوام حسب ما أشار إليه الكاتب مايكلهورتونفي مقالته بمجلة The American Conservativ .
حيث استبعد الكاتب أن تنتصر السعودية على اليمن الذي أصابته الحرب بالمجاعات والأمراض و الأوبئة، وأضاف الكاتب إلى أن القوات البرية السعودية والحرس الوطني السعودي تبين أنهم غير قادرين على الدفاع عن الحدود الجنوبية السعودية ضد هجمات القوات اليمنية والحوثيين، لافتاَ الى أن الرياض ورغم إنفاقها مبلغ 87 مليار دولار على جيشها في عام 2016، الا انها طلبت من باكستان إرسال وحدات عسكرية لحماية حدودها ضد “الحوثيين” الذين ليس لديهم اي غطاء جوي وذلك حسب تعبير الكاتب.
ويرى مراقبون ومختصون بالشأن الخليجي أن السعودية كان يمكن لها أن تكسب جميع الأطراف في اليمن وخصوصا بعد موافقة جميع الأطراف حضور مؤتمر الحوار الذي ترعاه، وفي مقدمتهم الحوثيون لكنها إهتمت بتقوية الأطراف التي تتبعها أيديولوجياً كالسلفيين تبعا لمصالحها السياسية، مما أدى إلى إنفجار اليمن بوابة الخليج الجنوبية، كما ان إقصاء أطراف يمنية مهمة، وعدم التعامل معهم في محاولة لفرض أنصارها من السلفيين على الساحة السياسية أدى وبحسب التقارير والوقائع إلى تعقيد الصراع في اليمن وبالتالي فشل السياسية السعودية لصالح ايران المنافس الاكبر للمملكة والاقل دفعاَ للأموال، حيث أجرى شيوخ كبار يمنيين مفاوضات مع إيران لإقامة علاقات جيدة معها.
السقوط أمام إيران
لا يمكن نكران أن السعودية دولةً إقليمية لها وزنها السياسي، وأن التاريخ الحديث لم يشهد صراعَا في منطقة الشرق الاوسط و قسمها الى قسمين مثل الصراع الإيراني السعودي، إلا أن هذا الصراع على الهيمنة والنفوذ يبدو انه في طريقه لصالح ايران .
وذلك لتنوع وارتباك أساليب المواجهه التي تتخذها السعودية فأحيانا تستخدم خطابا طائفيا تحريضياَ وأحياناَ خطاباَ وطنياَ عربياَ و قومياَ على حسب ما تقتضيه الحاجة. مما أدى إلى إضعاف قدرتها على مواجهة خصومها وفرض هيمنتها على المنطقة.
كما ان الأموال الطائلة التي صرفتها السعودية لمنع تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة لم تنجح في تحقيق أهدافها .فقد إستطاعت إيران أن تحرز تقدماَ في مفاوضات ملفهاالنووي. ولم يمنع الإرهاب والتهويل من المد الإيراني بمنع طهران من تعزيز نفوذها في المنطقة وفي المقابل لم يعزز ذلك من نفوذ السعودية في الشرق الوسط.
ختاماَ باتت السياسة الخارجية السعودية بكل تأكيد بحاجة ملحة لمراجعة الرؤية التي تنطلق منها. وذلك لأن ضعف السياسة الخارجية انعكاس لضعف سياسي وإداري واستراتيجي يتبين بالفشل والهزيمة للسياسات السعودية في كل بلد تدخلت فيه.