الصباح اليمني _ متابعات |
ترتفع احتمالات الوفاة بسبب أمراض القلب والسرطان جنبا إلى جنب مع نسبة السكر في النظام الغذائي (رويترز)
زهراء مجدي-القاهرة
على مدى عقود عديدة شجع مسؤولو الصحة العالميون على تقليل تناول الدهون المشبعة والمقليات للحفاظ على صحة القلب وهو ما أدى بالكثير من الناس إلى تناول الأطعمة القليلة الدسم وتعويض ذلك بالسكريات لنكتشف اليوم أن الأمور ليست كما تبدو.
منذ خمسين عاما جمعت شركات السكر الباحثين حولها، ودفعتهم لإلقاء اللوم في كل أمراض العصر على الدهون والوجبات السريعة، ومولت في الخفاء الأبحاث التي تؤكد أن تناول الدهون في وجباتنا هو السبب خلف جميع الأمراض التي نعرفها اليوم والتي يسببها السكر في الحقيقة.
اكتشف الحقيقة باحث في جامعة كاليفورنيا مؤخرا، عندما عثر على وثائق داخلية لشركات السكر تفيد بأن خمسة عقود من الأبحاث في علاقة ما نتناوله بأمراض القلب، والعديد من التوصيات الغذائية التي نتبعها في حياتنا اليومية لتفادي أمراض القلب؛ تم التخطيط لها بدرجة كبيرة من شركات صناعة السكر العالمية.
أظهرت الوثائق أن مجموعة تجارية كانت تحت اسم “مؤسسة أبحاث السكر” -وهي المعروفة اليوم باسم “جمعية السكر”- دفعت لثلاثة من علماء جامعة هارفارد عام 1967، ما يعادل 50 ألف دولار لنشر ملف لأبحاث حول السكر والدهون وأمراض القلب، كانت “جمعية السكر” قد اختارتها لتوجيه أصابع الاتهام للدهون المشبعة ومحلات البرغر والأكلات السريعة في الإصابة بأمراض القلب، ونشر هذه الأبحاث في المجلات الطبية.
وكان من بين العلماء الذين اتهموا بالرشوة، رئيس قسم التغذية بجامعة هارفارد، ومعه رئيس قسم التغذية في وزارة الزراعة بالولايات المتحدة عام 1977، والذي صاغ المبادئ التوجيهية الغذائية للحكومة الفدرالية واستخدمها للتأثير على توصيات الحكومة الغذائية في الإعلام، وأكد فيها على أن الدهون المشبعة مسؤولة عن أمراض القلب، وأن السكر سعرات حرارية فارغة لا تتسبب إلا في تسوس الأسنان، مما جعل المجلات العلمية في غنى عن أسماء للباحثين بعد أسمائهم لوضعها على دراسات تخلي مسؤولية السكر من أمراض القلب، بحسب صحيفة الغارديان.
وعلى الرغم من أن الصفقة التي شارك فيها الأطباء تعود إلى ما يقرب من خمسين عاما؛ فإن أحدث التقارير التي تظهر لنا كل يوم ممولة وتابعة لنفس الصفقة، ومستمرة في تأثيرها على علم التغذية ومجلات الصحة، رغم أن علماء جامعة هارفارد الذين تلقوا الرشى لم يعد أحد منهم على قيد الحياة.
وذكر تحقيق منشور في صحيفة نيويورك تايمز عام 2018، أن شركة كوكاكولا للمشروبات الغازية -أكبر منتج للمشروبات المحلاة في العالم- قد دفعت ملايين الدولارات، رشوة للباحثين لتقليل الصلة بين المشروبات السكرية والسمنة.
وجاء ذلك للرد على قرار منع تسويق كوكاكولا للأطفال، وتوزيع منتجاتها في المدارس، وتراجع مبيعاتها بنسبة 25%، ولتجاهل الانتقادات بشأن الدور الذي لعبته المشروبات السكرية في انتشار السمنة ومرض السكري من النوع الثاني.
تراجعت مبيعات كوكاكولا بنسبة 25% بعد قرار منع تسويق منتجها للأطفال (مواقع التواصل)
وقد استخدمت الشركة طرقا بديلة لإقناع الجمهور بأن النشاط البدني يمكن أن يعوض اتباع نظام غذائي سيئ؛ على الرغم من الأدلة التي تشير إلى أن التمارين الرياضية لها تأثير ضئيل للغاية على الوزن والصحة مقارنة بما يستهلكه الناس.
وحاولت كوكاكولا تكرار السيناريو القديم نفسه، بأن استثمرت بمبلغ 1.5 مليون دولار في عام 2014 في مؤسسة بحثية غير ربحية، بعدما قدمت ما يقرب من أربعة ملايين دولار لتمويل مشاريع بحثية مختلفة لعميد كلية الصحة العامة بجامعة ويست فيرجينيا، وأستاذ بجامعة كارولينا الشمالية، شكلت أبحاثه على مدار الـ25 عاما الماضية جزءا كبيرا من المبادئ التوجيهية الفدرالية بشأن النشاط البدني.
ورغم التأخر الشديد، فقد ظهرت إشارات الإنذار المبكر لمخاطر الإصابة بأمراض القلب التاجية -أو ما نسميه “السكر في الدم”- في الخمسينيات، والتي تمت في أول مشروع بحثي لأمراض القلب في عام 1965، وحددت استهلاك السكر كسبب رئيسي للمرض، لكن الدراسات التي ظهرت في هذه الفترة لم تصمد أمام الشكوك والترويج للدهون باعتبارها السبب الرئيسي.
ورغم أن أبحاث السكر الحقيقية ما زالت محدودة، فإن لدى الباحثين بعض البيانات القليلة التي تقيم مخاطر السكر والدهون، والتي أظهرت أن الكربوهيدرات المكررة -وخاصة الموجودة في المشروبات المحلاة بالسكر، مثل المشروبات الغازية، ومشروبات الطاقة، والمشروبات الرياضية الموجودة في صالات الألعاب- هي عامل رئيسي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، كما تعد أكبر مصادر السكر المضافة في النظام الغذائي العادي، حتى أنها تمثل أكثر من ثلث السكر المضاف الذي يستهلكه سكان العالم.
وبشكل عام، ترتفع احتمالات الوفاة بسبب أمراض القلب والسرطان جنبا إلى جنب مع نسبة السكر في النظام الغذائي، وأثبتت الدراسات هذا بغض النظر عن عمر الشخص، وجنسه، ومستوى النشاط البدني، ومؤشر كتلة الجسم، أو الوزن.
المصدر : الجزيرة
خليك معنا