تحوّلت أذون الخزانة التنافسية، كأداة دين داخلية، من نافذة استثمارية آمنة، إلى أداة كارثية على الدائن والمدين معاً في ظل الحرب والحصار. فأكثر من 4.7 تريليون ريال ديون مستحقة لبنوك وشركات وصناديق حكومية على حكومة بلا رصيد في صنعاء، وأخرى لا مستقر لها في عدن. وأصدر الرئيس عبد ربه منصور هادي، في سبتمبر الماضي قراراً قضى بنقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، إلا أن حكومة هادي، التي تعهدت حينها بالالتزام بصرف رواتب الموظفين، لم تلتزم بسداد فاتورة الدين العام الدخلي والخارجي التي تتجاوز الـ21 مليار دولار، وهو ما دفع الدائنين المحليين الذين وجدوا أنفسهم تائهين بين حكومتي صنعاء وعدن إلى التمسك بالبنك المركزي في صنعاء باعتباره الجهة المدينة.
معدل الفائدة
توقفت معظم وظائف البنك المركزي في صنعاء نتيجة قرار هادي استثناء آلية الدين العام الداخلي، الممثلة بأذون الخزانة، التي اعتمدت عام 1996 كأداة لسد الفجوة بين الإيرادات العامة والنفقات العامة في موزانة الدولة، وتحولت على مدى السنوات الماضية إلى أداة استثمارية للبنوك الأهلية والصناديق الحكومية والشركات العامة والخاصة، بسبب ارتفاع معدل الفائدة التي تراوحت خلال 2010 ـ 2012 ما بين 19% و21%. إلا أن ارتفاع أرباح البنوك والصناديق والشركات التي اكتفت بالاستثمار في أذون الخزانة، والتي تراوحت خلال الأعوام الخمسة الماضية ما بين 2 و3 مليار دولار سنوياً، دفعت البنك المركزي منتصف العام 2012 إلى تخفيض معدل الفائدة إلى 15% و16%.
فوائد مرهقة
يواصل البنك المركزي اليمني في صنعاء عروض شراء أذون الخزانة التنافسية دون توقف منذ شهر سبتمبر الماضي، إلا أن تلك الفوائد التي أثقلت كاهل الموازنة العامة للدولة في السلم ودفعت محافظ البنك المركزي السابق، محمد بن همام، إلى إعادة النظر فيها وتخفيضها من 21 % إلى 15% عام 2012، احتلت خلال العامين الماضيين المرتبة الثانية بعد المرتبات والأجور من إجمالي النفقات العامة، وتحولت إلى عقبة كأداء لا يمكن تجاوزها.
العام الماضي، تجاوزت فوائد الدين العام الداخلي 441 مليار ريال مقابل مرتبات وأجور بلغت 653 مليار ريال، وبلغت الفوائد في العام الأول للحرب والحصار 605 مليارات ريال، مقابل 916 مليار ريال كأجور ومرتبات. ووفقاً لبيانات صادرة عن وزارة المالية في صنعاء، حصل «العربي» على نسخة منها، فقد بلغت مستحقات الفوائد خلال شهر يناير من العام الجاري 35.618 مليار ريال مقابل إيرادات شهرية بلغت 29.819 مليار ريال لا تتجاوز السيولة النقدية منها 5 مليارات ريال، مقابل 24 مليار ريال شيكات. وفي فبراير الماضي، بلغت فوائد الديون المستحقة للدائنين 38.562 مليار ريال مقابل 26.267 مليار ريال إيرادات عامة خلال الشهر ذاته.
الفوائد المرهقة دفعت البرلمان اليمني إلى دعوة حكومة الإنقاذ إلى البحث عن بدائل أقل كلفة كالصكوك الإسلامية، لتغطية عجز الموازنة البالغ شهرياً قرابة 95 مليار ريال. وأوصى الحكومة بالعمل على الخفض التدريجي لاعتماد الدولة في تغطية العجز على إصدارات أذون الخزانة من خلال تنمية الموارد الذاتية غير النفطية.
الدين العام… 2.7 ترليونات
مصدر في وزارة المالية في صنعاء كشف، لـ«العربي»، ارتفاع الدين العام الداخلي إلى 2.7 ترليونات ريال يمني حتى أواخر العام 2016. وأشار المصدر إلى أن فوائد تلك الديون التي لا يمكن تجاوزها أصبحت مرهقة جداً للموازنة العامة للدولة. وحول تراجع القيمة الشرائية للدين العام الداخلي الذي بلغ أواخر العام 2014 قرابة 3.7 تريليون ريال بما يساوي 18 مليار دولار (سعر صرف العملة اليمنية حينها 314.78 ريال للدولار)، لفت المصدر إلى أن أذون معظم مدخلات أذون الخزانة من ديون محلية بالريال اليمني وليست بالدولار، مؤكداً أن تراجع القيمة الشرائية للعملة الوطنية أمام الدولار الأمريكي خلال العامين الماضيين بفعل الحرب والحصار بنسبة 60% له انعكاس سلبي على كافة الودائع البنكية والديون المحلية بالريال اليمني، التي بلا شك سوف يطالها التدهور وستتراجع قيمتها مقارنة بالدولار.
أزمة ثقة
محافظ البنك المركزي المعين من قبل هادي، منصر القعيطي، وجه رسالة للبنوك التجارية والاسلامية في صنعاء في شهر يناير الماضي، طالبها فيها بوقف التعامل مع البنك المركزي وعدم تنفيذ أي توجيهات لسلطات صنعاء، مقابل التزام حكومته بكافة حقوق تلك البنوك لدى البنك المركزي، إلا أن رسالة محافظ البنك القعيطي المذيلة بتوقيعه وبيانات شخصية قدمها للبنوك منها أرقام هاتفه الشخصي التي تبدأ بفتح خط دولي بالإضافة إلى بريد محافظ البنك الإلكتروني، ردت عليها البنوك في صنعاء بالتجاهل لعدم ثقتها بحكومة هادي. يشار إلى أن إجمالي الدين العام الاجنبي يصل 6.5 مليار دولار.