راهن الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، علي أن تُحدِث زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تغييراً، ليس في ما له علاقة بتكريس موقع بلاده كمؤثر أساس في المنطقة، ولكن على المستوى الشعبي الداخلين خصوصاً مع بروز حالة التململ من السياسات الكارثية لنجله وولي ولي عهده محمد بن سلمان، ويراهن كذلك على نجاح الزيارة في كبح جماح المتربصين بعرقلة هدفه المتمثل بإيصال نجله إلى رأس الحكم، على حساب ابن أخيه، ولي العهد محمد بن نايف.
وقد اعتبرت زيارة بن سلمان الأخيرة إلى واشنطن الشهر الماضي، بمثابة الخطوة الأولى لتجاوز المناوئين له، وتثبيت نفسه كلاعب أساس في لعبة الصراع على العرش، التي بدأت مع التغييرات التي أجراها الملك الراحل عبد الله، وحاول فيها وقف تواصل إحكام قبضة الجيل الثاني من نسل السديرين من أبناء عبد العزيز، على الحكم، قبل أن يتمكّن الملك سلمان من إعادة وصل السلسلة بعد الإطاحة بولي العهد السابق مقرن بن عبد العزيز، وتحجيم دور الأمير متعب، عضو مجلس الوزراء وقائد الحرس، لحساب نجله الذي بات ينفرد بالقرار السعودي.
وما يظهر من التصريحات الرسمية والاحتفاء الإعلامي السعودي بهذه الزيارة، هو أن النظام يبالغ بحجم توقعاته بالمتغيّر الذي يمكن أن يحدث جرّاء هذه الزيارة التي جاءت بعد تصريحات مهينة لترامب إزاء السعودية ودول الخليج، مع أن القمم الثلاث المراد عقدها تحمل في الأساس الهمّ الأمريكي المتمثل بمواجهة الإرهاب والتشدّد الديني والضغط على إيران، من خلال التلويح بإنشاء «حلف سُنّي» للضغط على نظامها، او حتى مواجهته إذا واصل تمرّده على الدولة الأقوى، ولكن بتمويل عربي ودماء إسلامية خالصة، وهو هدف قديم جديد بخلق حرب سُنّية شيعية لتقسيم المنطقة وجعل الكيان الصهيوني دولة عظمى بموازاتها.
سعى النظام السعودي إلى إضفاء الشرعية الدينية على هذا الاجتماع، بل ومباركته باعتباره يصبّ في خدمة الإسلام.
وفي سياق كهذا، سعى النظام السعودي إلى إضفاء الشرعية الدينية على هذا الاجتماع، بل ومباركته باعتباره يصبّ في خدمة الإسلام.
وأصدرت هيئة كبار علماء السعودية بياناً أكدت فيه على أهمية انعقاد القمة «العربية – الإسلامية – الأمريكية»، في سبيل ما اعتبرته «تحقيق تطلعات شعوب» تلك الدول والعالم إلى الأمن والسلام، على أساس أنها مصلحة مشتركة حثّت عليها جميع الشرائع السماوية، وفي هذا الإطار من حشد الأدلّة على صدق النوايا في مواجهة التشدّد والإرهاب، سيتم افتتاح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف»، فيما ينظم «مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية»، منتدى الرياض لمكافحة التطرّف ومحاربة الإرهاب.
في حين، سيتحدث ترامب في الملتقى الذي تستضيفه مؤسسة الأمير محمد بن سلمان «مسك الخيرية»، تحت عنوان «ملتقى مغردون 2017» الذي يتناول كيفية تفعيل استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في محاربة التطرّف والإرهاب.
وهو ما سيمثل دعاية مجانية لترامب، غير المرضي عن الكثير من تصرّفاته وقراراته المثيرة للجدل، على المستوى الأمريكي الداخلي، مما سيمنحه الفرصة لابتداع انتصارات هو في أشد الحاجة إليها.
ترامب، سيغادر الرياض محملاً بعقود لشراء أسلحة هي الأكبر في التاريخ، تبلغ قيمتها 300 مليار دولار، بالإضافة الى منحه حق التصرّف بمصير العالم الإسلامي، وتحديد بوصلة اتجاهه، ليس سياسياً بل ودينياً أيضاً، وعلى مسار تأجيج الصراعات المذهبية والطائفية. في المقابل، لن يحصل النظام السعودي على توقيع على شيك على بياض، وهذه تأكيدات تكرّرت على لسان أكثر من مسؤول أمريكي، مع ما تعنيه من تشديد على تظهير رؤية ترامب حول علاقة أمريكا بأنظمة الخليج عموماً، والسعودية على وجه الخصوص، وعمادها أن مستوى الحماية سيكون بمقدار ما سيتم دفعه.
وهنا ما يمكن أن تخلص إليه نتائج القمم الثلاث، التي ستبدأ بلقاء سلمان ترامب، ودواعيها معلومة في ما له علاقة بالحرب في اليمن وسوريا، والتي لن تخرج عن طلب الدعم للحسم العسكري في الأولى، ودور أكبر في الثانية، إضافة إلى طلب الحماية والدعم في وجه إيران، محاولة الاستحصال على تعهّد مُعلن بكبح جماح تدخلها في المنطقة، بالإضافة إلى بحث طرق تحسين العلاقة مع إسرائيل وصولاً ‘لى التطبيع العلني معها.
أما القمة الثالثة، والتي سيشارك فيها زعماء دول عربية وإسلامية، فإنها ستكون مستوعبة لمطالب القمتين السابقتين بضرورة مواجهة إيران، كما أنها ستضفي «المشروعية» على تحديد كون إيران الخطر الداهم والأهم. ولن تكون الجماعات المتشددة والإرهابية بعيدة عن هذا التوصيف، في مقابل استبعاد إسرائيل، وإنْ كمتهم.
وفي حال انفض الاجتماع، وصدر البيان الختامي، وراح ترامب حاملاً انتصاره غير المكلّف إلى تل أبيب، عندها سيتبيّن الرابح والخاسر من أول زيارة للسيّد الجديد للبيت الأبيض إلى قصر اليمامة في الرياض.