التطورات التي شهدتها الساحة الجنوبية والإقليمية والتي ظهرت من خلال التقارب بين طرفي النزاع الدائم في الجنوب، الإمارات كطرف في «التحالف» و«الشرعية اليمنية»، من خلال اللقاءات والزيارات بين الطرفين في الرياض وأبو ظبي وعدن وغيرها.
وكذلك التطوّر الذي تمثّل في إرسال قوة لواء المغاير السعودي مؤخراً إلى عدن للقيام بمهام تأمين مقار إدارة الدولة والموانئ البحرية والجوية فيها، وصمت الإمارات حيال ذلك، وهي التي ظلّت طوال الفترة الماضية متمسّكة بالجنوب وتدير مناطقه المحررة، وكذلك صمت أدوات طرفي «التحالف» الرئيسيين في الجنوب خاصة، وما كشفت عنه التسريبات الأخيرة لمحادثات السفير الإماراتي في واشنطن السيّد العتيبة، كل هذا سيكون له ما بعده على مستوى اليمن عامة.
وأعتقد سيطرأ تغير كبير يمسّ الأهداف الاستراتيجية التي قام عليها «التحالف» ويضفي على البعض منها تغييرات جذرية تنتقل معه من أقصى الرفض إلى أقصى القبول، كما أنني أرى أن حالة «التحالف» اليوم عسكرياً باتت تفرض خيارات قد لا تكون محبّبة لبعض أطراف ذلك «التحالف»، إلا أن الضرورات ستبيح المحضورات هنا!
في ظل كل تلك التطورات تظهر تساؤلات عديدة مثل:
هل مازالت الأزمة في اليمن عامة والجنوب خاصة تسير وفقاً لاتفاقيات دول «التحالف» الذي قام واستند عليها التدخّل؟ أم أن هناك تغيرات طرأت على تلك الاتفاقات؟
هل جاءت كل تلك التطورات نتيجة لوصول أطراف التدخل إلى قناعة بفشل الإمارات في إدارة المناطق المحرّرة وسقوط خيار الحسم العسكري لـ«التحالف»؟
هل جاءت تلك التطورات لتؤكد أن الإمارات قد وصلت إلى كل مطالبها الخاصة في الجنوب والشمال والتي كانت محطّ الاختلاف والخصومة مع شرعية الرئيس اليمني هادي ومن خلفه المملكة السعودية خلال الفترة الماضية؟
هل جاءت تلك التطورات نتيحة لتغيّر مواقف الدول الكبرى تجاه سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة في مناطق الجنوب المحرّرة والتي تشير الكثير من التقارير بتورّطها في تفريخ وصناعة الجماعات الإرهابية المسلّحة؟
هل جاءت تلك التطورات نتيحة لتصادم مشروعي طرفي «التحالف» الرئيسيين السعودية والإمارات في اليمن عامة والجنوب خاصة؟
كل تلك الأسئلة وغيرها سنتركها لقادم التطورات لتجيب عنها، فما كان واضحاً في الفترة الماضية هو الاختلاف بين طرفي «التحالف» حول النظرة إلى الأزمة في الجمهورية اليمنية عامة والحلول المفترضة لتجاوزها ذلك الاختلاف الذي ولدته ظروف طول أمد المعركة من ناحية، وتشعّب وتعدد الأزمات اليمنية الداخلية من ناحية أخرى، ودعمته ألاجندات المتناقضة لكلا الطرفين.
فالسعودية التي ينصبّ مشروعها على ترسيخ «الشرعية» وانتصارها كهدف رئيسي، والتي لا ترى خطورة في أن يستقل ويستقر اليمن اقتصادياً، ولكنها تتوجّس أمنياً من استقراره السياسي من دون أن يكون لها اليد الطولى في رسم خطوط النظام المقبل فيه، تتعارض مع مشروع الإمارات التي باتت ترى هدف نصرة «الشرعية» اليمنية ثانوياً وتفصل في تعاطيها مع الأزمة بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، وترى أن استقرار اليمن الشمالي سياسياً واقتصادياً لا يخيفها طالما سيأتي من بوابتها ولصالح الطرف الذي تتبنّاه، بينما يتناقض مشروعها في الجنوب فهي مع الاستقلال السياسي غير المكتمل للجنوب، ولكنها تتوجّس أيضاً من استقلاله الاقتصادي!!
نعود إلى همنا الجنوبي لنسقط كل تلك التطورات وما سيليها في الأيام والأسابيع المقبلة على وضع قضية الجنوب سياسياً طالما أن الحديث بات يتركّز على الحلّ السياسي للأزمة برمّتها، وطالما أن الأطراف باتت تخطو خطواتها بهذا الاتجاه شمالاً وجنوباً، ونضع أسس لمواجهة القادم.
وأرى أننا في الجنوب بحاجة إلى مراجعة حساب دقيق ومسؤول بعيداً عن المناكفات وشغل صبيان السياسة، فالأوضاع حولنا تتشكّل والتطوّرات تتسارع ولن ينتظرنا الآخر حتى نخرج من حفلة التطبيل التي نصبنا خيمتها (الكلام هنا موجه لبعض النخب الجنوبية وليس للمتابع العادي)، فالاستمرار في صراع (التمثيل الجنوبي) والانقسام حوله لن يقودنا إلا إلى تشرذم جديد يهدد قضيتنا ومستقبلها، وبالتالي فإننا مطالبون بتوحيد الدعوة إلى حوار جنوبي يتجاوز المعضلات التي أفرزتها مرحلة الصراع السياسي الجنوبي منذ انطلاقة «الحراك الجنوبي» حتى اليوم، فالجنوب وسيادته هدف يجتمع عليه الكل من دون استثناء، بينما المجالس والأحزاب أهداف يتوزع عليها الناس ويختلفون حولها، وبالتالي فإن المرحلة تتطلب أن نتجه إلى ما يتحد حوله الكل، وهو الوطن الجنوبي.
«التحالف» اليوم وبكل أطرافه بات واضحاً في توجهاته وبدأ بأولى خطوات التخلي عن أدواته، أو على الأقل تخفيض نسبة المراهنة والاعتماد عليها، ويذهب إلى أدوات جديدة تناسب متطلبات المرحلة، وهو الأمر الذي يؤكد حاجتنا لمراجعة موقفنا وحساباتنا الجنوبية بدقة ومسؤولية، وهذا لا يعني أنني هنا أدعو أبناء الجنوب ليكونوا أدوات لتلك المرحلة بقدر ما أدعوهم لأن يكونوا أحد أطرافها المؤثرين، ولن يكونوا كذلك إلا بالعودة إلى جادة الصواب واتّباع العقل والسمو بالجنوب فوق مصالح المجالس والأحزاب وبالذهاب إلى حوار يفضي إلى مؤتمر جنوبي جامع يفرز ممثل جنوبي مولود من رحم التوافق المبني على التمثيل الوطني.