لا يحلم الجنوبي السوي الخالي من أمراض الإستحواذ التي تضعه محطاً للاستقطاب والتبعية والسير على غير هدى إلا بوطن آمن، يحتضنه ويوفر له الحياة الكريمة ويصون كرامته. ونحن عندما ننتقد بعض الأفعال والخطوات التي تهدد حلم هذا الجنوبي، فنحن إنما نسعى للارتقاء بالجنوب إلى أعلى المستويات التي تضع هذا الحلم على أول طريق التحقق.
في اعتقادي أن الفعل لن يكون وطنياً إلا إذا جاء من خلال جهد وطني خالص، لا وصي خارجياً عليه يتحكم في حركاته وسكناته ويوجه خطواته ويقرر برامجه ويصنع سلوكه السياسي وتوجّه خطابه، وهذا لن يتعارض مع الإستفادة من تجارب الآخرين الذين سبقونا في هذا المضمار.
كما أن الفعل سيكون ناقصاً إن لم يكن مستقلاً قائماً على ما يؤمن به من حق وعدالة للأهداف التي يتبناها، وعلى ما يمتلكه من طاقات بشرية واقتصادية وعسكرية تقع تحت يديه فعلاً، ويمتلك القدرة على توجيهها واستخدامها في الزمان والمكان المناسبين. ولا ضرر من إقامة علاقات مع المحيط الذي يولد فيه هذا الفعل، شريطة أن تقوم تلك العلاقات على الندية التي تحكمها المصالح المشتركة، لا على التبعية التي تحوّل ذلك الفعل إلى عمل يتعارض مع مقومات الحلم الجنوبي السوي.
وستظل حقوق الجنوبي منتهكة في وطن يُنتزع من تبعية ليلحق بتبعية أخرى، ولن تكون هناك كرامة لجنوبي في وطن تتقاذفه الأجندات وتحكمه التدخلات، وطن يصنع من هذا الجنوبي أداة يتحكم بها آخرون، ويوظفها لمشاريع يأتي الجنوب على هوامشها لا على رأس أولوياتها.
لن يكون هناك أمن ولا استقرار لجنوبي في وطن ستحوّله التبعية إلى فرق ومشاريع متصارعة، كل فريق يتخذ من هذا الجنوبي أداة لمحاربة أخيه لصالح مشاريع وتوجهات الصراع الإقليمي والدولي، مع إيماننا بأن الجنوب جزء من العالم، وتسري عليه المتغيرات الإقليمية والدولية، ولكن يجب أن يكون التعاطي مع تلك المتغيرات من منطلق الإستقلالية في القرار والتوجه، ومن منطلق حسابات تضمن حاضر ومستقبل هذا الجنوب، وتحترم ماضيه وتاريخه.
لن تتحقق الأهداف إلا متى ما توفرت لها أرضية مناسبة، تكتمل فيها شروط ذلك التحقق. وفي حالتنا الجنوبية، بعد كل المتغيرات التي شهدتها المنطقة، فإن أهم شروط تهيئة تلك الأرضية باتت منصبة على التوافق الجنوبي القائم على الشراكة الوطنية، والمؤيَّد بالتصالح والتسامح الفعلي وليس الشعاراتي.
لا شك في أن ما شهدته المنطقة العربية في الأعوام الأخيرة من أحداث قد أفرز تجارب واضحة، ساهمت في صنعها دول لها اليوم الباع والذراع في صناعة الأحداث على مستوى اليمن والجنوب.
ومن هذا المنطلق، فإن النوايا الصادقة إذا ما توفرت فعلاً لدى هذه الدول في إيجاد حل عادل للقضية الجنوبية التي تُعدّ مفتاحاً لحل الكثير من القضايا التي تعطل استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها، فإن تلك الدول لن تعجز عن تبيان ذلك الطريق الذي يوصلها إلى خلق الإصطفاف الجنوبي الذي لا تعود أسباب غيابه فقط إلى أبناء الجنوب، ولكنها تمتد إلى أطراف أخرى داخلية وخارجية، ساهمت وما زالت تساهم في الإبقاء على التمزق الجنوبي كسلاح لم تعد تمتلك سواه لإجبار الجنوبيين على القبول بما تحمله أجندات تلك الأطراف تجاه الجنوب.
إن أي خطوات أحادية تجاه الجنوب من قِبل أي طرف من أطراف التحالف الخليجي، وأي خطوات لا تحظى بإجماع وموافقة كل أطراف التحالف والأطراف الجنوبية الفاعلة اليوم، حتى وإن جاءت تلك الخطوات من منطلقات حسن النوايا، فإنها لن تخدم الجنوب ولا قضيته، وستساهم في اتساع شرذمة الجنوبيون، وهو ما نحذر منه ونتمنى على إخوتنا في التحالف وأنصارهم من أبناء الجنوب التنبه له والحذر من الوقوع فيه.