|بقلم:زياد حافظ|
تتسارع الأحداث في الوطن العربي فيحصل تغيّر كبير في المشهد الميداني يليه تغيير في موازين القوة على صعيد الوطن بأكمله، وعلى صعيد المنطقة، وعلى الصعيد الدولي. لكن مع كلّ هذه التطوّرات نسأل أين الجامعة العربية من مجمل الأحداث المفصلية التي تؤثر في مستقبل الوطن؟
غضّت الجامعة العربية النظر عن اعتداء العدو الصهيوني على المسجد الأقصى أولى القبلتين لأكثر من مليار ونصف مليار مسلم ولـ 400 مليون عربي. كما تغضّ النظر على انتهاكاته اليومية كافة ضدّ الشعب الفلسطيني. ولا تصدر أيّ موقف ضدّ العمليات الإجرامية التي يقوم بها. ففلسطين هي اليوم كما في الأمس القضية المركزية لأمتنا العربية. فلا استقلال ولا تنمية عربية حقيقية ممكنة وفلسطين تحت قبضة الصهاينة. فالجامعة العربية في موضوع فلسطين غائبة كليّاً.
في مرحلة سابقة لم تغب الجامعة العربية عن أحداث كبيرة فساهمت فيها، وإنْ بشكل سلبي كتقديم الغطاء لاحتلال العراق. وبعد عقدين من الزمن غطّت العدوان الأطلسي على ليبيا. وفي الوقت نفسه ضربت عرض الحائط ميثاقها عندما وافقت على تجميد عضوية دولة مؤسسة لها.
كما قدّمت الغطاء للعدوان الكوني على سورية وسكتت عن الدمار والقتل والتشريد الذي عمّ المناطق السورية كافة. وفي اليمن أيضاً، غطّت العدوان عليه وسكتت عن الحصار الذي أدّى إلى تجويع اليمنيين وإصابتهم بداء الكوليرا. كما أنه لم يصدر عنها أيّ شيء حول أحداث الريف المغربي. أما أزمة مجلس التعاون الخليجي فكنّا نتوقع أن تتدخل الجامعة لمنع تفاقم الأزمة وإذا بها لزمت الصمت والغياب. والشارع العربي محق بأن يسأل أين الجامعة العربية من كل ذلك ولماذا؟
إنّ التفسير لهذا الأداء السلبي للجامعة العربية يعود للتجاذبات السياسية بين المحاور المتصارعة في المنطقة. محور تقوده دول الجزيرة العربية من جهة ومحور المقاومة. فالجامعة العربية فاقدة التوازن، وهنا نثمّن دور مصر في محاولة إعادة الجامعة إلى توازنها. فوجود مقرّ الجامعة في القاهرة ضمانة لعودة التوازن. كما أنّ عودة مصر للعب دورها العربي عبر تقريب وجهات النظر بين الدول المختلفة سيعزّز دور الجامعة العربية. فرغم التباين في المواقف بين الدول العربية فما زلنا نعتبر الجامعة بيت العرب وأنّ مهمتها هي العمل على جمع العرب وليس على تفرّقهم. كما أنها ملزمة بالحفاظ على ميثاقها وليس الخروج عنه وملزمة بتطبيق الاتفاقات التي تجمع بين العرب كمجلس الدفاع المشترك والسوق المشتركة على سبيل المثال.
هذا الدور مفروض أن تقوم به الأمانة العامة للجامعة العربية. الأمانة العامة ملزمة بتنفيذ قرارات الدول العربية المجتمعة فيها وغير مسؤولة عن توجّهات الدول. وإذا كانت الظروف السياسية القائمة تحول دون حضور الجامعة العربية في الأزمات المتفاعلة في المشرق العربي أو في مغربه فلا نرى ما يمنع حضورها في بعض القضايا كالقضايا الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية.
لا نفهم غياب الأمانة العامة للجامعة العربية عن الساحة العربية، كما لا نقبل بأيّ دور سلبي يساهم في تمزيق النسيج العربي. لا نفهم لماذا لا تقوم بمبادرات لتقريب وجهات النظر. ولا نفهم لماذا لا تُصدر مواقف أخلاقية على الأقلّ تندّد بالقتل والتشريد والتجويع التي تطال العديد من العرب. كما لا نفهم السكوت على انتهاكات العدو الصهيوني في لبنان وسورية، وبطبيعة الحال بحق الشعب الفلسطين،ي بغضّ النظر عن مواقف رسمية سياسية لمختلف الأطراف المعنية.
أليست الجامعة العربية ملزمة بالاعتذار إلى الشعب الفلسطيني للسكوت عن اعتداءات الكيان عليه بشكل يومي ولعدوانه على أولى القبلتين؟ أليست الجامعة العربية ملزمة بالاعتذار إلى الشعب في ليبيا لتغطية العدوان الأطلسي، وما رافقه من قتل ودمار وتشريد؟ أليست الجامعة العربية ملزمة بالاعتذار إلى حكومة وشعب سورية لتعليق عضويتها ولتغطية العدوان الكوني عليها؟ أليست الجامعة ملزمة بالاعتذار للشعب اليمني عن تغطية الحصار والتجويع؟ أليست الجامعة العربية ملزمة بالاعتذار للشعب العراقي لتغطية احتلاله من قبل الولايات المتحدة والحلف الأطلسي؟
كما أنّ الجامعة العربية ملزمة بالاعتذار للشعب اللبناني لسكوتها عن العدوان الصهيوني في تموز 2006 والسكوت عن المأساة الاجتماعية التي سبّبتها الحرب الكونية على سورية وما نتج عنها من نزوح كثيف إلى لبنان يفوق طاقته الاقتصادية والاجتماعية؟ فجميع هذه الدول المنكوبة بغطائها أو بسكوتها.
كما أنّ الأمانة العامة ملزمة بإفهام الفرقاء المتصارعين في مختلف الساحات أن لا بدّ من الجلوس إلى طاولة الحوار. فليس هناك من قضية لا يمكن حلّها بالحوار، طالما أنه من غير الممكن إلغاء دول ومكوّنات من المجتمعات العربية. فسياسة الإلغاء عبثية بطبيعتها ونتائجها، لذلك لا بدّ من الجلوس والتحاور. هذه هو درس الحرب اللبنانية التي دامت 15 سنة، فجلست الأطراف المتناحرة كافة وخرجت باتفاق أنهى الصراع الدموي وإنْ لم ينه التباين السياسي بل نظّم على الأقلّ إيقاعه. وهذا هو درس إدارة الأزمة السياسية القائمة في لبنان من قبل مكوّنات أساسية في لبنان تتباين بشكل حادّ في المواقف، حيث جلست في كنف الحكومة الواحدة فشكّلت البيئة الحاضنة للنصر الذي أنجز في السلسلة الشرقية من منطقة البقاع.
دور الأمانة العامة للجامعة العربية هو تكريس رسالة الحوار ونبذ الإلغاء. فسياسة الإلغاء لا تؤدّي إلاّ للدمار المتبادل. فالبندقية العربية يجب أن توجّه فقط ضدّ العدو الوجودي الفعلي الذي يهدّد الأمن القومي للعرب جميعاً، أيّ العدو الصهيوني، وليس ضدّ أعداء افتراضيين مهما كانت درجة الخلاف معهم عالية أو محقّة. كما أنّ البندقية العربية يجب أن توجّه ضدّ المحتل الأجنبي في العراق أو سورية أو أيّ بقعة عربية.
السكوت الحالي للجامعة العربية وللأمانة العامة لا يليق بها ولا يليق بسبب وجودها. نحن حريصون على وجودها، ولكن في القيام بواجباتها. فالجماهير العربية تُمْهِل ولا تُهْمِل. خليك معنا