| بقلم:عبد العزيز بدر القطان |

يتبادر إلى ذهن أيّ إنسان أن الثقافة الرأسمالية هي ثقافة اقتصادية بحتة، ولكن مع الأسف هذه الثقافة الرأسمالية تؤثر في المشهد الثقافي في كل الوطن العربي وخاصة في الخليج.
فالشباب الخليجي، شباب متنور ومثقف جداً، لديه كل مقومات النهضة من العقل إلى التكنولوجيا والثقافة والوفرة المالية، كل شيء قد يحتاج إليه الإنسان لتحقيق النهضة متوفر في الخليج العربي، إلى جانب كل سبل الراحة والتفرغ العلمي والدراسي.
لكن السؤال الذي يُطرح، ماذا يجري في الخليج العربي؟ وما بال شباب الخليج؟ ولماذا هذه القطيعة مع مصير الأمة، من السودان إلى الصومال واليمن وسوريا وليبيا وفي كل الجغرافيا العربية؟ والإجابة تكمن بأن المشكلة الحقيقية هي في الثقافة الرأسمالية، سلطة المال والتجار والإعلام. كل هذه روافد تصب على العقل العربي.
ولا بد من التنبه إلى الدور الذي يلعبه الإعلام العربي. فهناك أقلام شريفة وأقلام حرة، تدافع عن الحق والمستضعفين في كل مكان في العالم العربي وتناصر القضية الفلسطينية وتناصر جنوب لبنان، وكانت تناصر المقاومة وكل قضايا الأمة العربية. لكن الإعلام العربي الرأسمالي لم يسلط الضوء على هؤلاء النخب، على تلك العقول الجبارة والجميلة، والأغلب والأعم من شبابنا ومفكرينا وقع فريسة النظام الرأسمالي.
تعاظم انتشار النظام الرأسمالي في الخليج، ولا سيما بعد فترة الستينيات وبدء ظهور النفط. طليعة الشباب العربي في الخليج العربي ذهب إلى بيروت وتعلم في الجامعات واحتك بالمناضلين وتعرّف إلى الأحرار، واطلع على الثقافات، الثقافة المسيحية والدرزية والعلوية وعلى الفكر الليبرالي والعلماني واليساري. هذا الشباب كان لديه تعطش للمعرفة وعقله منفتح على الآخر. وأكثر من ذلك، كان يتعلم من الكل ويعطي، فلقد أعطى الكثير في مرحلة حرجة في تاريخ الأمة العربية والإسلامية وتاريخ النضال، في زمن جمال عبد الناصر في زمن القومية العربية. لا ننسى أبداً الشهيد فهد الأحمد الصباح، هذا الرجل من الأسرة الحاكمة في الكويت. كان مناضلاً، قاتل في عام 1967 وفي أكثر من موقع عربي، قاتل لمصير الأمة. لم يقل أنا كويتي، كان يقول أنا قومي عربي، وكان مفخرة للخليج ولعموم الأمة العربية.
هكذا كان الشعب العربي في فترة الستينيات والسبعينيات إلى الثمانينيات، عندما كان الجو العام الإقليمي يصب لمصلحة الأمة العربية. نعم هناك حركات شاذة وأنظمة شاذة، لكن الصوت المرتفع والرأي العام السائد آنذاك هو الروح القومية، هو مصير الأمة المشترك. لذلك عندما ننظر ونقرأ تاريخ النضال العربي والثقافة العربية والحراك الثقافي في فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، نجد أنه كان زاخراً جداً. فالحركة الثقافية بدأت من الكويت من مجلة العربي وعالم المعرفة التي كانت تهتم بالقضايا العربية والمصيرية. لم تكن موجهة فقط للداخل، كانت موجهة لكل الأمة العربية.
هكذا كانت الأمة العربية، وهذا هو المثقف الخليجي. والأمثلة كثيرة جداً، فنحن لا ننسى الدكتور المرحوم أحمد الربعي، هذا الرجل المناضل اليساري. كان في بيروت يقاتل مع المناضلين. وإلى اليوم هناك الكثير من المثقفين الذين يتواصلون مع الداخل اللبناني ومع الداخل المصري ومع الصحافة العربية. لكن ومنذ أن نشأت هذه الأنظمة الحاكمة في الخليج، توطدت العلاقة بين الحكام والتجار، وهنا المشكلة. التاجر سيطر على المشهد الثقافي وعلى المسرح وعلى الإعلام وعلى القنوات الفضائية. كل القنوات الفضائية في الوقت الحالي إما هي مملوكة من تاجر معين خليجي، أو تابعة لأحد أبناء الأسرة الحاكمة من أي قُطر خليجي.
إذاً الإعلام مسيّر، يكفي أن نتابع كيف يفكر العقل الخليجي، كيف ينفعل مع الملفات الخارجية الثقافية والفكرية وأيضاً المصيرية. لنأخذ هذا المثال، دولة خليجية كبيرة تطبق الشريعة الإسلامية على المذهب السني قسمت المشهد الثقافي والديني الى قسمين: القسم الأول رجال الدين والسلطة، رجال الدين المتحالفون مع السلطة أعطوهم الإرشاد والتوعية وأعطوهم وزارة الأوقاف. وفي المشهد الآخر، التاجر والأمير وأي إنسان لديه المال بيده الإعلام وأيضاً التربية.
من بيده الإعلام والتربية هو الفكر الليبرالي، ومن لديه التوجيه والأوقاف هو الفكر الديني المتشدد. كيف يتربى العقل الخليجي بين هذين الخطين: الليبرالية والتيار الإسلامي الأصولي المتشدد، كيف يلتقيان؟ وما هو تأثيرهما في ظل الخصومة التي تجمعهما؟ هذا يفسد الأخلاق وذاك يدعي الحرية، وذاك الآخر يتكلم بالتشدد وإلغاء الآخر ويتكلم عن التكفير والتفجير وذاك يتكلم عن الموسيقى والفن الهابط وينسخ التجارب الغربية والبرامج الغربية والموسيقية التافهة الهابطة في أوروبا ويأخذ قمامة الغرب ويبثها للعقل الخليجي والعربي، وأصبح الإنسان الخليجي يعيش بازدواجية.