كان لدى الكيانين السعودي والإماراتي، إبان نشأتيهما، ثروة بترولية بلا تاريخ ولا أدب ولا ثقافة ولا جذور ضاربة في التراب سوى خراطيم شركات التنقيب الأوروبية والأمريكية. في المقابل، كان لدى اليمنيين تاريخ باذخ وحضارة ضاربة الجذور في نواة الكرة الأرضية بلا ثروة نفطية!
كانوا يشعرون بالخواء وانعدام الوزن والملامح والهوية رغم تخمتهم، فتسلقوا شجرة أنسابنا ليملأوا خواءهم وتعلو مكانتهم، فأصبح زايد بن سلطان آل نهيان ـ مؤسس الإمارات مجازاً – يمنياً سبئياً على غفلة من عين التاريخ والمؤرخين.
وشن السعوديون آلاف الغزوات الناعمة والصفيقة للسطو على تراثنا الفني والغنائي، وفي كل غزوة عادوا بمئات السبايا الشعرية والموسيقية والمواهب الخام اليمنية التي نكَّروها وسعودوها ونسبوها لهم.
وكنا، في المقابل، نشعر بالتخمة وفرط الوزن نسباً وحسباً ووجاهة وتراثاً روحياً ومادياً تليداً وطارفاً، رغم خوائنا المالي، فغزونا ممالك النفط بالمعاول والمطارق والأزاميل، نضرب قيظ صحرائها ومواتها فتنبجس عليهم عمراناً ونماءً، وعلينا برداً معيشياً ونقداً ودراهم منقوعة بعرق الكد.
من كان يتصور أن نغدو ـ نحن اليمنيين ـ مطمعاً نفطياً لهذين الكيانين الطافرين من رحم النفط بالأساس؟! كان ترابنا متخماً بالذهب الأسود والأحمر ـ إذن ـ وبعملة السوق الطارفة كما هي تخمته الحضارية التالدة، غير أن قرارنا السياسي عقب نشوء النظام الجمهوري جرى السطو عليه وتجييره سعودياً أمريكياً في غضون سنوات من غيبوبة الحكم الثوري، والتي أفقنا بعدها على اليمن بوصفها منطقة ملحقة بنظام مملكة بني سعود، وعلى تراثنا الروحي الديني والفني والثقافي وقد «تَوهْبَن وتخلجن»!
ولأن هذا الإستلاب السياسي كان مهيمناً في سدة الحكم اليمني الجمهوري وبنائه الفوقي لعقود، فقد جرى تكريس وتنمية ذهنية العوز لدى الشارع اليمني إزاء السعودية، لتشتيت الإنتباه عما تحت أقدام شعبنا من ثروات خبيئة، كما ولضمان تأبيد تبعيتهم لبلاط صاحب الجلالة طويل العمر وسوق الإستهلاك الأمريكي السياسي والاقتصادي.
لقد استنزفت دورات الإحتراب اليمني المديدة طاقة شعبنا الحضارية، الروحية والمادية، خارج خنادق النهوض الوطني وتشخيص ممكناته ومعضلاته بعصامية واستقلال. إنخرط اليسار ومعظم القوميين اليمنيين في دورات الإحتراب ضد سلطة التبعية والحكم بالوكالة بهدف إنجاز قطيعة معها وتسخير الجهود والطاقات لاحقاً لمشروع النهوض، أو هكذا على الأقل كانت ـ باعتقادنا ـ حوافزهم لحمل السلاح ومجابهة السلطة، غير أن هذين التيارين لم يتوافرا فكرياً وتنظيمياً على صياغة علمية نافذة لطبيعة المعضلات الوطنية وعلاقتها الجدلية المنتجة لها محلياً وإقليمياً ودولياً، ولا على الأداة الثورية والقيادة الطليعية المخلصة القادرة على تعبئة الجماهير في خنادق الكفاح التحرري، مع وضوح الغاية نصب عيون المستهدفين بالكفاح، ونقاء وسلامة وسائطه.
بعد عقود مديدة لم يتحرر القرار الوطني على أيدي اليسار والقوميين، بل باع معظم رموز هذين التيارين رقابهم ورقاب شعبهم لعدوان أمريكي صهيوني سعودي إماراتي أهلك ويهلك ما تراكم لليمنيين من مكتسبات مادية محدثة شحيحة، وسطا ويسطو على ثرواتهم البكر الخبيئة مستهدفاً تمزيق الجغرافيا والنسيج الإجتماعي وتجيير البلد برمته لإدارته المباشرة.
كانت نخبة اليسار والقوميين تقيم الدنيا ولا تقعدها إزاء أغنية يمنية سرقها السعوديون ونسبوها إليهم، واليوم فإن السعوديين والإماراتيين يسرقون الجمل اليمني بما حمل شمالاً وجنوباً بينما اليسار والقوميون يصفقون ويدبجون في الغزاة الحماسيات ومطولات المديح.
تبارك النضال بالأثداء أيها الرفاق، الذين لم يكونوا يوماً رفاقاً ولا يمنيين، وإنما توهمناهم كذلك، والعتب علينا!