الصباح اليمني_مساحة حرة|
أروع عبارة أكدت على أهمية التعلم والعلم والتعليم قول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: “اطلبوا العلم من المهد الى اللحد”..
فطلب العلم والتعلم عملية مستمرة ومتواصلة من بداية الحياة الى نهايتها.. لأن العلوم والمعارف دائماً في حالة رقي ونهوض وحداثة وتقدم.. كل يوم يكتشف العلماء علماً جديداً، ونظرية جديدة.. واكتشافاً جديداً، والخبرة الإنسانية لا حدود لها، ولا نهايات..
وهذا ما يجعل من عملية التعلم عملية دائبة ومستمرة ومتصلة الى أن يشاء الله.. ولهذا في معظم الدول الراقية والمتحضرة يعاد امتحان الاختصاصيين مرة كل عشر سنوات خاصة في مجال العلوم الطبية ليتأكدوا عن مدى قدراتهم العلمية، وبأنهم ملمون بالتقدم العلمي والتقني والطبي حتى يسمح لهم بمزاولة المهنة، وممارسة اختصاصاتهم وإلا أوقفوا عن ممارسة المهنة..
والحق يقال إن دور المدارس والمعاهد والكليات والجامعات قديماً كانت على قدرٍ كبير من العطاء الإبداعي، عكس اليوم بسبب عزوف شبابنا عن التعليم.. حكى لي بعض الموجهين التربويين العرب في إحدى زياراته لمدارس دولة ما قائلاً: زرت إحدى المدارس في دولة عربية فوجدت مدارس في منتهى الانضباط الإداري ولكن لم أجد طلاباً، فعند زيارتي لبعض الفصول الدراسية شعرت بالفارق الكبير في مستويات الطلاب قديماً.. وطلاب اليوم.. طلاب اليوم مستويات متدنية، أضف الى ذلك السقوط الأخلاقي، واللا مبالاة.. فالتعلم والتعليم مواقف وسلوكيات وأخلاق، ينتهجها الإنسان الراقي في حياته.. وتساعده على حب المعرفة والإطلاع والمثابرة..
لذا علينا أن ندرك أن عالم المدرسة عالم قائم بذاته.. له خصائصه ومميزاته.. في الماضي كان المعلم يتوجه دوماً الى الطالب الوسط تاركاً الطالب الضعيف، والطالب الذكي يدبر نفسه كيفما يشاء.. واليوم يؤكد خبراء التربية وعلم النفس أن الطالب الوسط خرافة لا وجود لها، وأن كل طالب مهما كان ذكياً أو متوسطاً أو ضعيفاً لابد من الاهتمام به من معلمه أو معلمته، عنايةً تتناول كافة متطلباته وميوله ورغباته وقدراته، ونقاط تفوقه، ونقاط ضعفه وغير ذلك من الأمور..
وإياك.. ثم إياك أن تجرحه بكلمة نابية أو جارحة مهما كان مشاغباً أو مشاكساً أو عنيداً.. فالتربية الحديثة تعمل على تحرير شخصية الطفل، وتنمية قدراته وإكسابه خبرات وتجارب من خلال التدريب والتعلم واللعب الهادف.. شخصية تتمسك بالقيم والأخلاق والعادات الحميدة الفاضلة وترفض الأوهام والخرافات.. شخصية تؤمن بالقيم الجمالية والخلق القويم..
لذا علينا أن ندرك أن تنمية إبداع الطفل يقصد به الإيمان بأن كل إنسان له قدرات كامنة مبدعة، إذا أتيحت له الفرص المناسبة نمت، وارتقت وساهمت في إثراء ورقي المحيط الاجتماعي والثقافي والإنساني..
إن المدرسة الحديثة تقع عليها مهام جمة، ومتعددة.. وهذا راجع بسبب المناهج وطرائق التدريس غير الفاعلة أو النشطة التي ينبغي أن تكون متنوعة وجذابة بين التعلم واللعب الهادف.. خاصة في الوسائل التعليمية الجذابة والمتنوعة..
نحن نعيش في عصر انفجار المعلومات، وكل يوم تجدد وتتبدل الحقائق والمعلومات.. ما كان مقبولاً قبل عشرين سنة مثلاً من الحقائق والنظريات أصبح اليوم مرفوضاً، وحلت محله حقائق جديدة، ولعلها قد تتغير أو تتبدل مع مرور السنين.. وهكذا دواليك.. وليس هذا فحسب بل اننا نشهد كل يوم ولادة علوم جديدة، ومكتشفات حديثة في شتى العلوم والمخترعات الحديثة تقلب أوضاع مناهجنا وعلومنا ومعارفنا رأساً على عقب..
ولهذا وذاك سنجد كل الذين تخرجوا من الجامعات والكليات العليا قبل ربع قرن أو أكثر ولم يتابعوا التقدم العلمي، والتكنولوجي والتقني سيجدون أنفسهم خارج أسوار العلم والمعرفة عند تخرجهم من تلك الجامعات.. لهذا من واجب ومهام المدرسة الحديثة أن تعلم الطالب كيف يعلم نفسه بنفسه عن طريق البحث والقراءة والإطلاع والتثقف والمثابرة الدائبة.. وهي إن فعلت ذلك ضمنت له أن يستمر في عملية التعلم طوال حياته.. على قول المثل الصيني: “لا تعطني سمكةً بل علمني كيف اصطادها”..
نحن نعيش عصر التكنولوجيا وانفجار المعلومات الهائل، ولذلك لابد من مواكبته ومسايرته شئنا أم أبينا.. لذا آن الأوان أن نتخلص من الطرائق القديمة، ومن سيطرة المعلم في عملية التعليم، ونقل الأهمية منه الى المتعلم، من أن يتعلم بنفسه مستخدماً الوسائل التكنولوجية الحديثة ومتابعة التقدم العلمي والتكتيكي، والقراءة والبحث والتنقيب في أمهات المراجع والكتب، والسؤال عما غاب عنه.. فالمدارس لا تعطي كل العلم وإنما تعطي بعضه.. ولذلك لابد أن تعيد النظر في وضع مدارسنا وجامعاتنا على اختلاف درجاتها وتنوعها في ضوء التقدم العلمي والتكنولوجي والتقني الذي يشهده العالم اليوم.. لكن المؤسف حقاً نجد أن الكثير من مدارسنا وجامعاتنا تسير على نمط التعلم القديم، تكثيف اليوم الدراسي بالمعلومات وتجاهل الجانب القيمي والمناشط المصاحبة للمناهج كإقامة الندوات والمحاضرات الثقافية التوعوية في شتى المجالات للارتقاء بطلابنا أخلاقياً وعلمياً ودينياً..
فالاهتمام بتدريس المناهج وإهمال الجانب الروحي والأخلاقي والتوعوي والديني هو من أوصل طلابنا الى هذا المستوى الهابط علمياً وسلوكياً.. إذا لابد من تقويم وتصحيح مسار العملية التعليمية وإلا سوف- في المستقبل- سنخرج مخرجات مهترئة غايةً في الكارثية والمأساوية..