المشهد السريالي اليمني غدت الأمور أكثر وضوحاً وبأن اليمن يواجه مؤامرة خليجية بعد أكثر من عامين من عاصفة العجز .. غدا اليمن يحاكي النموذج الليبي حكومتان بنكان عاصمتان بينما ما يُسمى بحكومة الشرعية المفترض بأن المجتمع الدولي يعترف بها بقت خارج اليمن طيلة هذه الفترة ، فإعلان البيان رقم (1) في عدن يُعتبر فعليا البيان رقم (22) مما يؤكد أن الحراك الجنوبي محاكاة لتحالف الانقلاب في صنعاء “حفتر” جديد في جنوب الجزيرة العربية سيكون مسمار في نعش ممالك النفط وبهذا تكون إيران قد وضع حجر الأساس لنفوذها رسمياً في اليمن والمياه الدافئة في البحر الأحمر وخليج عدن والمنطقة، بعد أن ابتلعتْ العراق ولبنان وسوريا، تمهيداً لظهور “الإمام الغائب” عجَّل الله فَرَجه الذي سيملئ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً حسب معتقدات شيعة أهل البيت عليهم السلام.
وفي هذا السياق يتحدى هاني بن بريك ( النائب لقائد الحراك الجنوبي) الشرعية اليمنية ويؤكد مضيهم في تشكيل مجلس عسكري جنوبي بينما يستجدي هادي السعودية في بيان ركيك صدر بعد انتظار ، وقد ايقن اليمنيون بأن الإمارات تعربد في المحافظات الجنوبية اليمنية لتؤكد بأن الرياض تأكل الثوم بفم ابوظبي
الرد العملي هو عودة الرئيس هادئ وحكومته خلال ساعات لعدن فلن يتغير الحال وتعود ثقة اليمنيين وأهل عدن تحديدا إلا بحضور الشرعية على الارض في عدن وبصلاحيات كاملة كدولة راعية لكل اليمنيين.
يتزامن ذلك بموقف حازم وسريع من دول التحالف والسعودية تحديداً ومطلوب ما عدا ذلك يجعل كل الفاعلين يمنيين ودول الإقليم في دائرة الشكوك فطرفي الانقلاب واجه البيان برخاوة تجاه إعلان مجلس الجنوب رغم خطورتها ولم يشر لأي عقوبات ستطال الأسماء التي وردت فيه ويفترض تقديمهم للمحاكمة وتخوينهم ، وهو نفس الموقف أيضا تجاه إعلان ما سمى بالمجلس السياسي ف صنعاء فكان يفترض ان لا يتم التعامل ولا يتفاوضون فهل سمعتم بدولة تتفاوض مع انقلابيين
في صنعاء يظهرون بأن تشكيل مجلس الحراك شئ سلبي ويتغنون بالوحدة اليمنية وهم من وأدوها ويعتقدون بأن أي مفاوضات قادمة ستكون مع التحالف وليس مع الشرعية المفترضة وقد يقايضون بالاعتراف بهم في الإقليم بعد الانتهاء من عاصفة العجز ومن خلالهم المجتمع الدولي مقابل إعفاء التحالف من التزامه ومسؤولية تدمير اليمن إلا بفتات لتخدير وإسكات الرأي العام والمشحون خلال أكثر من عامين على ان السعودية والتحالف عدوان فلا يُعقل ان تعود المياه لمجاريها بعد كل ما حدث بمسوغ اعادة الشرعية وإنهاء الانقلاب .
اللافت أن العيدروس زار السعودية قبل أيام ومن هنا قد تكون السعودية توافق الإمارات وإذا صح ذلك فأن هذا سيشرعن تحالف الحوثي وصالح لوقت اطول ،
لكن ليس كل الجنوبيين مع إعلان عدن وخاصة الحضارمة ، الايام المقبلة كفيلة بتوضيح كل الملابسات ويكشف الغموض سوى لساسة الداخل ومواقف دول الإقليم على حد سواء ، فبينما اليوم التحالف المنقسم على نفسه على المحك فإذا لم يكن واضحا وحاسما فمن باب أولى الأمم المتحدة “الغير متحدة” في حال لم تضع عيدروس لقائمة المعرقلين للحل في اليمن حسب قرارها ألأممي فأن شرعنه الانقلاب في صنعاء سيكون من بوابة عدن
كنت قد نشرت سلسلت مقالات متزامنة مع فعاليات مؤتمر الحوار قبل اكثر من ثلاث سنوات تتمحور جلها في رؤيتي المتواضعة للأقاليم المفروضة فرضاً وقلت ان إشكالية الثورة على نظام صالح الفاسد هي بين الشعب والحاكم فما ذهب الأرض تقسم بسكاكين جهوية ورغبات الساسة ، اهتمام جمال بن عمر في تركيز واختزال مشاكل اليمن في مؤتمر الحوار لنحو عام فقط في استحداث نظام الأقاليم وقام بخمسة وثلاثون رحلة مكوكية انتهت بإيصال الحوثيين للقصر الجمهوري بينما خلفه ولد الشيخ يسعى ضمنياً لهدف مقارب وهذه المرة لإيصال الجنوبيين لمجلس مماثل لما حدث في صنعاء قبل بضعة أشهر . ، لا شك بأن مؤتمر الحوار كان يفترض لإرساء دولة مدنية وتنفيذ روح المبادرة الخليجية التي لم يستفد منها سوى حصانة الرئيس السابق ، تماما مثل اتفاق السلم والشراكة بين غزاة صنعاء وسلطة هادئ لم ينفذ وقتها سوى الجانب السياسي ولس الأمني رغم أنها فرضت بقوة السلاح ، قضية تقسيم اليمن لأقاليم سوا في الفترة الانتقالية الحرجة او حتى الإصرار على ذلك أثناء هذه الحرب توقيت غير مناسب والمتزامن مع عجز التحالف وضعف وفساد الشرعية قد أججت لا شك الرأي العام الذي لم يكن مهئ لها أصلاً ولكن على ما يبدو أن بصمات اللاعب الإقليمي والدولي واضحة إلى حد يحمل على الاعتقاد أن الأطراف المحلية المتحالفة والمتناحرة مجرد إيقونات في لعبة الأمم، فكرة الأقاليم كانت رؤية نظرية واتت في الوقت غير المناسب ولكن ضعف هادي والنُخب الحاكمة شجعت الإقليم وأغرته لحرق المراحل للخروج من مأزق فشل التحالف في حسم المعركة .
إشكالية اليمن ما بعد الربيع العربي تحولت مألاته للتقسيم او لمواجهة الإرهاب وليس لإشكالية بين الحاكم والمحكوم من اجل الاستبداد والقضاء على الفساد .
لقد هلل الكثيرون لسقوط صنعاء بحجة الجرعة ونكاية برموز فساد معينة دون ان يدركوا تبعات ذلك ، وصفق البعض لإعلان المجلس الانقلابي في صنعاء واليوم يطربون فرحين لبيان الحراك في عدن نكاية “بالشرعية” ورموز معينة مع أن الجميع في مركب واحد العاصفة ستعم الجميع ، فالنصر المرحلي لهذا الطرف او ذاك ليس مقياسا لنهاية المطاف فالقصة لم تنتهي ولها تبعات وخيمة مستقبلا سيتضرر بها الجميع كما تضرر بها الجميع ويصبح كل من هادي والحوثي وزعيم الفساد هُملاً في زوايا التاريخ.
إعلان كيان مشابه لصنعاء ليس ضد الشرعية فحسب بل هو ضد المرجعيات الثلاث التي سوغت للتحالف بالتدخل ، وباكتمال التناقضات والتداخلات شمالا
وجنوباً قد يكون مجرد استراحة محارب و إنقاذ للحوثي على المدى القريب وبالتالي إطالة المعاناة .
فعلاً قد يفيق اليمنيون يوماً بعد يوم على حقيقة مُرَّة، تتمثل في أن الشرعية هي الوجه الآخر للانقلاب ، وبعد السكرة تكون الصحوة فيفيق اليمنيون يوما ما على وطن محطم ودمار وخراب ونسيج اجتماعي مفكك بعد ان أصبح الجميع يكره الجميع .