| بقلم: د. عبد الحي زلوم |
قبل عصر النفط لم تكن الحدود تعني للمشيخات / الامارات شيئاً . بل لم تسعى تلك المشيخات بان ترسم حدودها. كان الولاء للقبيلة وشيخها وكانت مقتضيات قطعان القبائل يحدد تحركها من مكان الى آخر بين صيف وشتاء. لذلك لم يكن هناك ولاء لوحدة سياسية جغرافية . ولم يكن هناك ضبط وربط في الجزيرة العربية سوى في الموانئ والواحات والتي كانت تدار من معتمد سياسي بريطاني يتبع شركة الهند الشرقية بداية ثمّ حكومة الهند بعد ذلك . ولما جاء عصر النفط واصبحت الشركات والدول تتصارع على الامتيازات لمساحات للتنقيب واستخراج النفط اصبحت الحدود ضرورة لتحديد مناطق الامتياز . سيطر الانجليز اثناء تواجدهم المباشر حتى سنة 1971 على الخلافات بين تلك القبائل والدويلات وعندما اصبح الاستعمار بصفة غير مباشرة دبت الخلافات واصبح حلها اكثر صعوبة .
1- النفط اساس ومحرك السياسة الغربية
قال وزير الطاقة الأمريكي رتشاردسون أيام الرئيس كلنتون سنة 1999:” لقد كان البترول محور القرارات الأمنية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال القرن العشرين، والنفط كان وراء تقسيمات الشرق الأوسط إلى دويلات بعد الحرب العالمية الأولى” .
دعنا نرى في هذا المقال كم صادقاً ودقيقاً كان رتشاردسون في توصيفه لتأثير النفط على السياسة الامريكية والغربية بل وعلى سياسة الشرق الاوسط العربي .
2- ترسيم الحدود العراقية الكويتية السعودية
كانت العراق اول دولة تصارعت عليها الدول وشركاتها للحصول على امتيازات استخراج النفط . كان الغاز ينبعث من منطقة كركوك والنقط من صخورها ووجد المهندسون الالمان النفط اثناء بناءهم خط سكة الحديد برلين بغداد . فحصل بنك دويتشي الالماني مع شركة النفط الانغلوفارسية (والتي اصبح اسمها بريتش بتروليوم )مع شركة شل الهولندية الانجليزية بإمتياز التنقيب واستخراج النفط من السلطان العثماني.
وبعد الحرب العالمية الاولى اصرت الولايات المتحدة على الحصول على حصتها . كذلك كانت منطقة الموصل حسب اتفاقية سايكس بيكو تابعة لفرنسا فتم ارضاءها بإدخالها شريكاً في شركة نفط العراق ( IPC) والتي تمّ اعطاء حصة لفرنسا بدلاً من استحواذها على محافظة الموصل . وتم تاسيس أول شركة بترول فرنسية ( CFP) لتكون شريكا في شركة نفط العراق.
اصبح ضروريا ترسيم حدود العراق . استدعى المندوب السامي البريطاني السير بيرسي كوكس كل من سلطان نجد عبد العزيز ال سعود والمعتمد السياسي البريطاني في الكويت ممثلاً عنها ووزير الاشغال والمواصلات العراقي صبح بيك الى مؤتمر في العقير لرسم الحدود بين مملكة العراق حديثة التكوين وسلطنة نجد وامارة الكويت .
كان السير بيرسي كوكس هو راعي الاجتماع حيث تركهم لخمسة ايام يتناقشون نقاش الطرشان. اراد ممثل العراق ان تكون حدودها تبعد 12 ميل عن الرياض بينما اراد السلطان عبد العزيز ان يصل نفوذه حتى نهر الفرات وان لا يكون هناك حدود مرسومة وإنما الهيمنة على القبائل الموالية له والتي يصل عمقها الى داخل العراق حتى نهر الفرات . في اليوم السادس جاء بيرسي كوكس وأنب المؤتمرين والذي اعتذروا له أيما اعتذار واخرج خريطة رسم عليها بالقلم الاحمر اين هي حدود العراق ونجد والكويت .
المعتمد البريطاني في الكويت هو من وقع على الاتفاقية نيابة عن الكويت
كتب محضر الاجتماع الكولونيل Dickson والذي كان حينها المعتمد السياسي البريطاني في البحرين وارسلت الى وزارة الخارجية في لندن في 26 اكتوبر سنة 1922 .
عندما تمّ التخطيط لبناء انبوب نفط يصل بين حقول IPC في كركوك الى حيفا في فلسطين قام الانجليز بإضافة 5 الاف كيلو متر مربع من بادية الشام لتوصل شرق الاردن مع العراق حيث سيمر انبوب النفط. . وهذا يفسر الشريط الفاصل بين السعودية وسورية والذي يصل خارطة شرق الاردن كما جاءت في مؤتمر سميراميس بالعراق ذلك المؤتمر الذي عقدته وزارة المستعمرات البريطانية برئاسة شرشل
ونشأت القرى والمدن حول محطات ضخ النفط تلك. H4 وتعني محطة الضخ الى حيفا رقم 4 اصبحت القرية حولها الجفور . H5 تم تسميتها الجفايف.
3- وهكذا ولدت قطر ككيان مستقل
كان فرانك هولمز قد حصل على امتياز تنقيب النقط في الكويت والبحرين – وكان يفاوض السلطان عبد العزيز آل سعود لاعطاءه امتيازاً لقطر باعتبارها جزءاً من الاحساء في الجزيرة العربية. لم تكن بريطانيا ترغب بذلك فقام المعتمد البريطاني بيرسي كوكس برسم خط أحمر على الخارطة فاصلاً شبه جزيرة قطر عن جسم الجزيرة العربية وهكذا افشل مخططات فرانك هولمز وهكذا نشأت دولة اخرى اعطت امتياز التنقيب على النفط في قطر الى تآلف اصحاب شركة نفط العراق .
الشركات المالكة لشركة نفط العراق IPC كانت قد اتفقت فيما بينها بعدم التنافس في الحصول على امتيازات في منطقة الخليج وان تكون الامتيازات مملوكة من نفس تلك الشركات وبنفس النسب. تم انشاء شركة قطر للبترول بناء على ذلك .
4- ترك الانجليز مشكلة حدودية بين كل دولة واخرى
اتباعاً لسياسة فرق تسد اوجد الانجليز نقاط خلاف حدودية بين دول الخليج وهذا مثالٌ لبعضها .
-
العراق والكويت :
سنة 1932 اعترف العراق بشكل غير رسمي بحدودها مع الكويت وبعد انسحاب القوات البريطانية و اعلان استقلال الكويت سنة 1961 طالبت العراق بضم الكويت لها بإعتبارها جزءاً من محافظة البصرة. ارجعت بريطانيا بعض من جنودها وطائراتها الى الكويت وتدخلت الجامعة العربية لصالح الكويت . اعترف العراق سنة 1963 بالحدود بين العراق والكويت عند استيلاء حزب البعث للسلطة ثم برزت مشكلة جزيرتي وربه و بوبيان وطالب العراق بهاتين الجزيرتين باعتبارهما عراقيتين ولحاجتها لهما لبناء ميناء في مياه عميقة تفتقدها الحدود البحرية العراقية آنذاك وحتى اليوم . وكان آخر المشاكل بين العراق والكويت هو غزو الكويت من القوات العراقية سنة 1990.
-
البحرين وقطر :