الصباح اليمني_مساحة حرة|
ما أن تفاءل المواطن الفلسطيني قليلاً حتى ظهرت الانقسامات في المواقف بشأن إجرائها والتوافق عليها، وعادت حال الإحباط والأجواء السلبية تسيطر على المشهد بعد الزيارة الثالثة لرئيس لجنة الانتخابات المركزية د. حنا ناصر إلى قطاع غزَّة مؤخّراً وتسليمه رداً مكتوباً لإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس حول الانتخابات، جعلنا نتوقّف ونتساءل، طالما طفت كل هذه التبايُنات والخلافات على السطح قبل البدء بأية إجراءات خاصة تتعلّق بالانتخابات، فأية انتخابات يريد الشعب الفلسطيني أمام هذا المشهد المُعقَّد؟
الانتخابات بالصيغة التي تُطرَح لن تحل المشاكل القائمة ولن تكون فرصة للخروج من المأزق الحالي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني بفعل الانقسام لأكثر من 13 عاماً، ولن تكون مُجدية بأية حال من الأحوال، بل ستُكرّس وستفتح المجال أمام مُناكفات وسِجالات، شعبنا وقضيته في غنى عنها في هذا التوقيت.
الحوار الوطني مطلوب ومهم وضروري قبل أية إجراءات تحضيرية لعقد الانتخابات، ورفض عقد اللقاء الوطني الشامل للكل الفلسطيني هو بمثابة إعلان تعطيل واضح للانتخابات ويكشف النوايا السيّئة التي يختبئ وراءها الطرف الرافِض لهذا الحوار.
أية انتخابات نريد أمام هذا المشهد؟ إنني أتبنّى فكرة الانتخابات الشاملة والتي تبدأ بعقد انتخابات مجلس وطني أولاً ثم رئاسية وتشريعية، فهي الكفيلة بتشكيل رأي وطني موحَّد يُحدِثُ تغييراً جذرياً لأصل المشكلة القائمة في النظام السياسي الفلسطيني، والتي تضمن ترتيب البيت الداخلي وعلى رأسها إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية، وإنهاء حال التفرّد بالقرار والسيطرة والتحكّم بكل شيء.
انتخابات شاملة تكون في إطار توافق فلسطيني يضمن مشاركة الجميع فيها كخطوةٍ ضروريةٍ يسبقها عقد لقاء حوار وطني يجمع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، ومن ثم تشكيل حكومة توافق وطني تُهيّئ الأجواء من أجل الوصول إلى الانتخابات العامة.
الرئيس محمود عباس وفق القانون الأساسي الفلسطيني هو رئيس “مُنتهي الولاية”، وصلت به الحال للتفرّد بالحال الفلسطينية بشكلٍ غير مسبوق، مطلوب منه اليوم الإجابة على تساؤلاتٍ كثيرة، أهمها لماذا يريد إجراء انتخابات تشريعية أولاً وهو باقٍ في منصبه؟ هل يجوز له ذلك قانوناً؟ وهل يجوز له أن يفرض على الشعب الفلسطيني والفصائل والأحزاب التي تريد المشاركة في الانتخابات الاعتراف ببرنامج منظمة التحرير، وهو ما يعني الاعتراف الضمني بدولة الاحتلال الإسرائيلي والاتفاقيات الموقَّعة ونَبْذ المقاومة؟ هل ما زال يُراهِن على اتفاقيات هزيلة ثَبُتَ فشلها؟ أم هي محاولة لإعادة إنتاج أوسلو من جديد تحت مُسمَّى الانتخابات لاستكمال ذبح الشعب الفلسطيني؟ أم هي عملية انتحار سياسي يريد أن يُجبِر الكل الوطني الفلسطيني عليها؟ وبذلك يكون قد قضى على ما تبقّى من الحلم الفلسطيني للمشروع الوطني؟ أسئلة بحاجة إلى إجابات من صانِع القرار الفلسطيني في رام الله.
الانتخابات في كل الدول تعني فرض إرادة الشعب وليس إرادة أميركا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، ويجب أن تبدأ هذه الانتخابات أولاً من المجلس الوطني ومن ثم الرئاسية والتشريعية، انتخابات تُعيد بناء النظام السياسي وتوفّر شراكة حقيقية في إدارة الشأن الوطني الفلسطيني، وتشكّل فرصة للاتفاق على طبيعة الصراع ومواجهة الاحتلال، وتعطي هامشاً وطنياً واسعاً بل وتقوّي الموقف الفلسطيني وتشكّل رافِعة للتحرّر وليس للقضاء على ما تبقّى من أحلام الشعب الفلسطيني، وبالتالي الحوار الوطني يشكّل اليوم ممراً إجبارياً لا بد منه لتشكيل رؤية وطنية شمولية توصل الكل الفلسطيني إلى انتخابات مجلس وطني أولاً ومن ثم انتخابات رئاسية تشريعية.
إن اقحام أي بند سياسي في قانون الانتخابات الفلسطينية والموافقة عليه يشكّل عملية انتحار سياسي يجب على الفصائل التنبّه لها ولخطورتها على المشروع الوطني الفلسطيني أيضاً.
ولهذا ما يتوجَّب على الفصائل وبعد اتّضاح جزء كبير من مشهد الانتخابات، هو أن تتوحَّد وتصطفّ بموقفٍ وطني يعكس المصلحة العُليا للشعب الفلسطيني يكون فيه الحوار الوطني نقطة انطلاق أولاً، وانتخابات المجلس الوطني تفرز منه قيادة فلسطينية تمثل الكل الوطني ومؤسَّسات منظمة التحرير المختلفة ومجلساً مركزياً ولجنة تنفيذية ثانياً ، ثم الذهاب إلى الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية وهذا من شأنه أن يُقلّل من حدّة الخلاف بشكلٍ كبيرٍ بعد نتائج أية انتخابات.
من دون ذلك لن يكون أيّ سيناريو يطرح الآن حلاً أو مخرجاً ، ثم أن الذي يقول إن الانتخابات التشريعية والرئاسية بالصيغة التي تُطرَح حالياً تمثل فرصة للجميع للخروج من المأزق أيضاً فهو لا يعي جذور المشكلة ولا يقرأ الواقع جيداً.. والأيام بيننا.
خليك معنا