لم تكد تمر ساعات على وصف ولي ولي العهد السعودي، محمد ابن سلمان، الخلافات بين بلاده والإمارات بأنها «إشاعات»، حتى شهد «شاهد من أهله» بما يدحض تصريحاته. فقد كشف مسؤول رئاسي يمني، يوم أمس، أن الرئيس اليمني المستقيل، عبد ربه منصور هادي، والملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، اتفقا على تشكيل لجنة لـ«رفع مستوى التنسيق مع الإمارات».
ونقلت وكالة «سبأ»، بنسختها التابعة لحكومة هادي، عن المصدر قوله إن اللجنة ستبحث «كل ما قد يطرأ من أمور تعوق تحقيق المصالح والأهداف المشتركة للشرعية في اليمن والتحالف العربي الداعم لها، وإنهاء الحالة الانقلابية باستعادة سيادة الشرعية ومكافحة الإرهاب والجريمة بفرض الأمن والاستقرار وعودة الحياة إلى طبيعتها على كافة الأراضي اليمنية».
وطفت الخلافات السعودية الإماراتية في اليمن إلى السطح مجدداً، في خلال الأيام الماضية، بعدما أصدر هادي قراراً أطاح وجهين رئيسين من الوجوه المحسوبة على أبو ظبي، هما محافظ عدن، عيدروس الزبيدي، والوزير السلفي، هاني بن بريك. وفي مؤشر على تخوف تحالف العدوان مما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في عدن جراء ذلك التصعيد، ألزمت قيادة التحالف، عشية المظاهرة التي دعا إليها الحراك الجنوبي تحت شعار «مليونية إعلان عدن التاريخي»، أطراف الأزمة في المدينة بالتوقيع على اتفاق لمنع الانزلاق إلى أعمال عنف اليوم الخميس. ونقلت مواقع يمنية عن مصادرها أن الاتفاق نصّ على «منع أي تحركات عسكرية، سواء من قوى الحراك الجنوبي والمقاومة الجنوبية، أو من الطرف الآخر المتمثل بالحماية الرئاسية»، وكذلك منع «أي تحرك نحو مقر الحكومة بمنطقة معاشيق أو أي مؤسسات حكومية».
وشدد الاتفاق على «شرعية المظاهرات الجنوبية، ومنع أي مساس بها أو التعرّض لها»، موجّهاً «قوات الحزام الأمني بالانتشار في عدة أنحاء في مدينة عدن لتأمين المتظاهرين». إلا أن الاتفاق الذي وقعه من طرف حكومة هادي، وزير الداخلية، حسين عرب، ومن طرف الحراك الجنوبي، مدير أمن عدن، شلال علي شائع، لا يلغي المخاوف من اندلاع صدام بين الطرفين، خصوصاً أن المدينة شهدت، قبيل ساعات من مظاهرة «الحراك»، مسيرة مؤيدة لقرارات هادي، بالتوازي مع صدور مواقف تصعيدية من قبل شخصيات في «الحراك» حذرت من أن تتحول التظاهرة إلى «ورقة للمساومة أو مغازلة حكومة الرئيس هادي، للحصول على مناصب جديدة»، أو أن «تنصاع لضغوطات التحالف».
مواقف يمكن، إذا ما تزخمت في خلال المرحلة المقبلة، أن تدفع السعودية والإمارات نحو مزيد من المآزق في اليمن، خصوصاً في جنوبه. هذا ما أكده تقرير نشرته وكالة «رويترز»، أمس، قالت فيه إن الدور الإماراتي في اليمن يعاني من انسداد الأفق، برغم تجنيد أبوظبي الآلاف من المقاتلين الجنوبيين. ونقل التقرير عن ضباط إماراتيين كبار أن الإنقسامات داخل المجتمع اليمني القبلي، بالإضافة إلى النزعات الانفصالية، شكلت وضعاً صعّب عليهم «الزحف شمالاً بما يعزز ما حققوه من مكاسب إقليمية». وتكمن خطورة التصريحات التي نقلتها الوكالة عن ضباط كبار لم تذكر أسماءهم، أن الإماراتيين يعانون من رفض الجنوبيين للقتال خارج محافظاتهم. فقد اعترف ضابط في الجيش الإماراتي بأن «تعز جزء من الشمال، والجنوبيون لا يريدون القتال خارج حدودهم، وكان أخذهم إلى هناك تحدياً كبيراً»، في إشارة إلى المعارك التي تخوضها القوات الإماراتية في الساحل الغربي لليمن.
وأصبحت مساعي الإمارات لتعزيز ما حققته من تجنيد في بعض المحافظات الجنوبية لليمن «في مهب الريح»، بحسب التقرير الذي استقى معلوماته من تصريحات لمسؤولين عسكريين إماراتيين كبار في الجيش. وتؤكد هذه التصريحات الاتهامات الموجهة إلى الإمارات بأن هدف نشاطها في جنوب اليمن هو استخدامه وقوداً ومنصة للتوجه إلى المحافظات الشمالية، خلافاً لما يروج له الإماراتيون من أن نيتهم مساعدة الجنوبيين لتحقيق الانفصال أو إقامة إقليم خاص بهم كحل للقضية الجنوبية، وتلبية لمطالب الحراك الجنوبي.
وكشف الضباط الإماراتيون عن أن قواتهم دربت أكثر من 11 ألف جندي يمني من حضرموت (في إشارة إلى قوات «النخبة الحضرمية»)، و14 ألفاً من عدن وثلاث محافظات، وأنها لا تزال تدفع لهم أجورهم. ويشكل عدم فاعلية هؤلاء المجندين تحدياً كبيراً للإمارات، إذ إن الأخيرة تتجنب الدخول مباشرةً في الحرب بعد مقتل العشرات من جنودها شرقي مأرب، في أيلول من عام 2015، جراء استهدافهم بصاروخ بالستي يمني.
على المستوى الإنساني، صدر، أمس، تحذير جديد عن منظمة «المجلس النرويجي للاجئين»، نبهت فيه إلى أن واردات الأغذية في اليمن وصلت إلى أدنى مستوياتها مع استمرار الصراع في هذا البلد، الذي بات يواجه، وفق المنظمة الإنسانية، «أكبر أزمة للأمن الغذائي في العالم». وقال يان إيغلاند، وهو الأمين العام للمنظمة، في بيان غداة زيارة لليمن استمرت خمسة أيام: «(إنني) مصدوم للغاية مما رأيت وسمعت هنا في اليمن المنكوب جراء الحرب والجوع… إن العالم يسمح للمجاعة بأن تجتاح نحو سبعة ملايين رجل وامرأة وطفل بشكل بطيء وغير مسبوق». وأضاف إيغلاند أنه «لا يوجد في أي مكان على الأرض مثل هذا العدد الكبير من الأرواح المعرضة للخطر»، مشيراً إلى أن «القيود الصارمة المفروضة على كافة إمكانات الوصول إلى اليمن جواً وبحراً وبراً قد سبّبت انهياراً اقتصادياً».