بقلم: عودة بشارات*|
للأسف، سأخيب آمالكم. فالسعودية لن تضغط على دونالد ترامب، كي يضغط على بنيامين نتنياهو كي ينهي الاحتلال. المثل العربي يقول: “لو بدها تمطر لغيمت”. لو كان انهاء الاحتلال على رأس سلم أولويات السعودية، لقام نفتالي بينيت سعودي بالهمس في أذن ترامب، وهو يشرب قهوته المرة، بأنه من الواجب اقامة دولة فلسطينية، ولكان همس جلعاد اردان السعودي، وهذه المرة اقوال صحيحة، بأنه خلال العام 2016 اعتقلت اسرائيل 1332 طفل فلسطيني، أما وراء صورة السيلفي مع الرئيس الامريكي فكان أورن حزان السعودي سيضع في الخلفية علم فلسطين مع شعار “حرروا فلسطين”.
ليس فقط أن السعودية لم تضغط. ففي الاعلان الذي صدر في نهاية الزيارة لم يُذكر اسم فلسطين. واذا كانت السعودية غير مستعدة لدفع الضريبة الكلامية حتى، يبدو أنه يجب الضغط عليها، قبل ترامب وقبل نتنياهو. واذا كان هذا هو اتجاه الامور، لماذا سيبذل ترامب الجهود من اجل انهاء الاحتلال، حتى لو كان عميلا لحماس وليس فقط لروسيا؟ اضافة الى ذلك، اذا فحصنا جيدا سنكتشف أن السعودية لا تريد أبدا تغيير الوضع القائم. الاحتلال بالنسبة لها وبالنسبة لدول النفط هو كنز. كل مرة تقوم فيها الشعوب العربية ضد أنظمتها الفاسدة، يذكرونهم أن القدس المقدسة ترزح تحت الاحتلال الصهيوني. ويذكرونهم بأن الواجب الأول لكل عربي هو تحرير القدس بدلا من الصراع ضد الانظمة.
لقد اعتبر النظام في العراق عشية العام 1948، والذي كان تحت السيادة البريطانية، أن تجند الشباب العراقيين للقتال في فلسطين، هدية من السماء: هكذا يمكن توجيه غضب الشعب العراقي نحو الصهاينة بدلا من توجيهه نحو النظام. وحتى الربيع العربي استخدمت الانظمة العربية القضية الفلسطينية من اجل التملص من واجباتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تجاه شعوبها. وبعد الربيع العربي زال الخجل، واختفت حتى الشعارات الفارغة حول حقوق الفلسطينيين من اعلانات هذه الانظمة.
اذا قمنا بالفحص جيدا، سنجد أن معظم الانظمة العربية ستقول إنه من الجيد أن اسرائيل هي التي تعتدي على الفلسطينيين وليس هم. لأنه لا تنقصهم شعوب كي يقوموا بتعذيبها والاعتداء عليها. والعكس صحيح، وهو أن الاعتداء على الفلسطينيين يجذب الاهتمام الدولي كله لأن اسرائيل تقدم نفسها على أنها دولة متنورة، وهذا الامر يغطي على جرائمهم ضد أبناء شعبهم وضد الشعوب الاخرى. الآن مثلا، هل يلاحظ أحد أعمال القتل والتدمير التي تقوم بها السعودية في اليمن؟.
اذا كان هذا بسيطا جدا، يمكن القول بأن الاحتلال هو مؤامرة عربية على شكل “بروتوكولات صهيون”. لقد جذب العرب اسرائيل الى احتلال ارض تبلغ مساحتها ثلاثة اضعاف ارضها في حرب الايام الستة في حزيران 1967، وهكذا علقت اسرائيل في مشكلة مزمنة: اذا لفظت المناطق فان الامبراطورية ستضيع، واذا أبقتها فان الدولة اليهودية الخالصة ستضيع. لهذا، لماذا التسرع وتخليص اليهود من معاناتهم؟.
لو أن الاحتلال الاسرائيلي يشكل مشكلة بالنسبة للسعودية، لكان انتهى منذ زمن. فيكفي أن تقوم بسحب بضعة مليارات من أموالها في البنوك الامريكية، أو وقف رحلة خزان النفط الضخم الى شواطيء اوروبا أو الولايات المتحدة، كي يصبح الاحتلال جزء من التاريخ.
الآن يقطفون هنا ثمار زيارة ترامب، على خلفية التحالف المتزايد مع “العالم السني المعتدل” الذي يتحمس منه ايضا اسحق هرتسوغ: زادت شعبية نتنياهو في الاستطلاعات، والصناعات العسكرية في اسرائيل ستحصل ايضا على فتات من صفقة المليارات مع السعودية. واذا اعتقد أحد ما أن المملكة ستقوم بالدور المنوط بقوى السلام في اسرائيل، سيخيب أمله بشكل كبير. فنتنياهو وترامب هما الحليفان الأفضل للسعودية.
-
صحيفة هاراتس