أتعجب من حال البعض من الجنوبيين الذين يرون في الضعف والتبعية والاستكانة أسلحة ممكن أن تحقق أهداف ثورتهم، مع قناعتي أن الضعف لا يمكن له صنع الحرية، فعدم الاستكانة والخضوع ورفض التبعية من أهم مقومات الثورة لنيل الحرية!
عندما يتحدث جنوبي ويقول «لا يهمنا أن نكون عبيداً لطرف من أطراف التحالف الخليجي فهذا خير من عبوديتنا للدحابشة»، فإن مثل هذا الطرح يعبّر عن حالة إدمان للعبودية، كما أنه يدل على أن أصحاب مثل هذا الطرح باتوا خارج دعوة الثورة، وإن كذبوا، وباتت مشكلتهم فقط تكمن في تحسين ظروف استعبادهم من خلال تغيير اسم سيدهم!!
عندما أتابع بيانات لأطراف جنوبية وأخبار تتناقل على المستوى الشعبي والرسمي وأرى مظاهر الفرح والاحتفاء بين سطور تلك البيانات والأخبار، وذلك ببراءة طرف جنوبي معيّن من تهمة احتلال مبنى المحافظة عدن وسكن المحافظ، وأن من يقف خلف ذلك الفعل طرف آخر، ثم لا أقرأ بيانات إدانة لمثل هذا الفعل ولا أصوات مطالبة لتصحيح هذا الفعل الخطأ، فإنني أشعر بحزن شديد جرّاء حالة السلبية والخضوع تلك التي احتلت مفردات خطاب البعض الجنوبي، ثواراً وسلطات على حد سواء، فعندما يحتفل ويهلل المرء أو يسعد لأن جزء من أرضه تمارس فيه بعبثية مقيتة أفعال تهين كرامته وتنتهك سيادته وتضع حجر أساس لصراع داخلي قد يفتك بهذا الوطن وأهله، فإن ذلك يتطلب إعادة النظر في التعاطي مع هذا الفعل ومن يمارسه ناهيك عن اتخاذ مواقف واضحة منه إذا ما تحولنا الى طرف جعل من نفسه «الفتوة أو البلطجي»، الذي ينفذ ذلك الفعل الخطأ على الأرض لصالح ذلك الطرف العابث !!لم نهدف إلى أن نحوّل أرضنا إلى ساحة صراع لأطراف الإقليم
نذكر أنفسنا وأخوتنا في الجنوب، وكذلك في دول «التحالف»، بأننا عندما قمنا بثورتنا ودفعنا خيرة أبناء شعبنا شهداء على مذبح الحرية وخسرنا أجمل سنين أعمارنا في مطاردات واعتقالات، فإننا لم نكن نهدف إلى نقل صك عبوديتنا من سيّد إلى سيّد آخر، ولم نهدف إلى أن نحوّل أرضنا إلى ساحة صراع لأطراف الإقليم، ولكننا كنا نهدف إلى التحرّر والاستقلال واستعادة الحق الجنوبي المسلوب، وكنا نهدف أن نصل إلى دولة ذات سيادة تشكل رافداً إيجابياً لمحيطها الإقليمي والعربي والإسلامي، وتبني علاقات سوية مع العالم أجمع، ولم نكن نهدف إلى تحويل أرضنا إلى محطة عبور واستقرار لمشاريع وعصابات الإرهاب السياسي والعقدي والعرقي والطائفي وغيره..!
وعلى ذلك، فإننا نحذّر من أي فعل ينتقص من سيادتنا ويتجاوز حدود الحق الذي تنظمه القوانين الدولية للدول المتدخلة في شؤون الدول الأخرى بقرارات دولية، ونطالب مَن يدّعون تمثيل الجنوب، ثواراً وسلطات شرعية، بمواقف واضحة من العبث الذي ظهر واضحاً في قضية مبنى محافظة عدن وسكن محافظها، وكذلك في قضية السجون غير القانونية، المعلنة منها والسرية، وفي كل فعل شاذ مازال خفياً في كثير من مفاصل قرارنا وبقاع جنوبنا، كما نطالب بسرعة تصحيح أوضاع بعض رفاقنا من الثوار الذين تحولوا إلى أدوات ينفذون مثل هذه الأفعال الخطأ، ويقومون بمهمة احتلال هذه المباني، ظناً منهم إنهم بذلك يؤسّسون لتحالفات، ونؤكد لهم أن التحالفات لا تقوم إلا على أسس صحية أهمها الندية التي تحميهم من التبعية، كما أن ذلك ليس من أهداف ثورة الجنوب، فهو يؤسّس لصراع جنوبي – جنوبي، بينما أهداف ثورتنا تدعي إلى الوحدة الجنوبية وتفعيل مبدأ التصالح والتسامح!!
إن ما تمر به بلادنا اليوم ليس حكراً عليها، ولن يكون، بل إنه بلاء قد يصيب أي دولة أخرى لاحقاً مثل ما أصاب دولاً سابقاً، في ظل حراك دولي تسيّره صراعات المصالح، وفي ظل ثورة المضطهدين في كل بقاع الأرض، وفي ظل محاولة القوى العظمى رسم خارطة جديدة لبعض بقاع الكرة الأرضية، وفي ظل المشروع الذاهب إلى فصل الدين عن الدولة كأحد أهم شروط حل القضايا الدولية العالقة. وبناءً على ذلك، فإننا نذكر الجميع أنه كما تدين تُدان، وأن الأيام دول، فمن يقف معنا اليوم ويحرص على عدم المساس بكرامتنا وسيادتنا ويكف عن العبث في وحدتنا الجنوبية وزرع الشقاق بيننا وتحويلنا إلى فرق ومجالس تسهر على خدمته وخدمة أهداف معركته الخاصة على حساب أهداف معركتنا الوطنية، فسنكون معه في ضعفنا وفي قوتنا، أما من يبتغي العكس، فقد نكون معه مرغمين في ضعفنا، ولكن المؤكد أننا لن نكون معه في قوتنا..