الصباح اليمني_مساحة حرة|
إن التاريخ يمنح المرء فرصة ثمينة للاتفات للماضي ليس للعبرة والعظة فقط وإنما لتفادى عدم تكرار الأخطاء ومعرفة أهداف ومطامع المحتلين والغزاة .
فأخطر ما تكشفه تلك الوثائق إن الهدف من احتلال الحديدة هو إقامة دولة مستقلة بسهل تهامة وجعل صنعاء دولة حبيسة وضمان للمصالح والاطماع الاستعمارية.
قصف الحديدة
المحتل تحرك في سياسته الاستعمارية واهدافه ومطامعه الخاصة باليمن على ضوء التقارير السياسية والعسكرية والاستخباراتية التي قدمها السياسيون والعسكريون والخبراء في عدن قبل واثناء فترة الحرب العالمية الأولى (1918-1914م ) وما بعدها – والتي اصبحت تلك الأهداف والمطامع الاستعمارية تعاد اليوم بعدوان 2015م -وفي وقت مبكر من اندلاع الحرب العالمية الأولى اقترح المقيم البريطاني بعدن في سبتمبر 1914م قصف الحديدة التى تعتبر الميناء الرئيسي لصنعاء و مع دخول العثمانيين الحرب في 31 اكتوبر رات الادارة السياسية لحكومة بومباي الإنجليزية اعادة دراسة هذا المقترح لكن نائب الملك ذكر في عدة برقيات في 7 نوفمبر ان فرض حصار اقتصادي على الحديدة لقطع الامدادات قد يكون افضل من قصفها .
وفى اواخر نوفمبر اجرت وزارة الخارجية محادثات مع الأدميرالية (امارة البحر البريطاني) لمناقشة امكانية احتلال القوات البريطانية للشيخ سعيد بالمخا وجزيرة كمران و وجزر فرسان وميناء الحديدة .
وقد اعتبر مجلس الوزراء البريطاني آنذاك إن أمن البحر الاحمر الهدف الرئيسي للدوريات البحرية التي كانت مسؤوليتها ايضا الا تسمح لدولة معادية بالحصول على قاعدة بحرية على الشاطئ او الجزر في البحر الأحمر كفرنسا وايطاليا والمانيا والتي عرضت عام 1913م على الدولة العثمانية شراء ميناء المخا كمستودع لتخزين الفحم لسفنها .
احتلال تعز
ومن تلك التقارير اثناء الحرب الذى ارسلها الجنرال والتون المقيم السياسي والقائد البريطاني في عدن الى حكومة الهند الانجليزية في 13 مايو 1916م تحت عنوان ( محمية عدن) وقد اورد والتون في تقريره اربعه مقترحات (إن يستمر الانجليز تحمل مسؤوليتهم عن عدن مع وجود قوات كبيرة لحمايتها وان يحتل الإنجليز منطقة لحج للتحكم في الطرق التي توصل إلى عدن في الشمال وقيام الانجليز بالتقدم الى خط الحدود القديم واحتلال منطقة الضالع ورابع هذه المقترحات هو احتلال مدينة تعز والغرض من ذلك فرض الوجود الانجليزي على المنطقة الجنوبية الغربية من اليمن بحدود جديدة واستراتيجية يسهل الدفاع عنها .
فيما اعد كولونيل هارولد جاكوب المساعد الأول للمقيم السياسي الانجليزي في عدن تقرير اخر ( انه لا يحبذ الدخول الى المناطق التي سيخليها العثمانيين في نهاية الحرب لأن هذه القبائل لن تستبدل العثمانيين بالإنجليز اضافه الى ذلك فإن حكومة صنعاء تعتبرها جزء من اليمن ولن تتنازل عنها ولا داعى للنزاع مع حكومة صنعاء والقبائل لأنها صعبة المراس .
وتحدث جاكوب كذلك في مذكرته عن أهمية إنشاء خط حديدي في المنطقة المحيطة بعدن في جنوب اليمن وخاصة مد خط ما بين عدن ومنطقة لحج بغرض سهولة توصيل المواد الغذائية الى عدن وربطها ربطا سهلا محكما بالمناطق الداخلية المحيطة بها فضلا عن سهولة تزويد عدن نفسها بالمياه العذبة من هذه المناطق عن طريق هذا الخط فلو كانت تلك الأشياء موجودة لما سقطت لحج في أيدى العثمانيين بسهولة سنة 1915م).
السيطرة على الجزر
في 28 مايو 1915م أثناء الحرب العالمية الأولى أبرق المقيم السياسي الإنجليزي في عدن إلى وزارة الهند بشان جزر البحر الأحمر كمران فرسان وزقر حيث أشار إلى المكاسب العسكرية الكبيرة لاحتلال جزيرة كمران كقاعدة للسيطرة على الحديدة .
كذلك يفضل السيطرة على جزر فرسان بعد احتلال جزيرة كمران لمنع التدخل الايطالي بجزر فرسان وانها صارت تحت الحماية البريطانية وفيما يخص جزيرة زقر يرى المقيم أن من الأفضل الاستيلاء عليها حيث يوجد بها حامية عثمانية صغيرة و يجب أن يؤخذ في الاعتبار احتلال جزيرة حنيش الكبرى وبقية الجزر المتناثرة القريبة منها بغرض السيطرة على مواصلات الاعداء في البحر الأحمر وفي نهاية البرقية أبدى المقيم استعداده لإرسال الفرق العسكرية اللازمة لاحتلال هذه الجزر .
وفي 6 يونيو1915م تم تكليف الجنرال( شو) بقيادة اللواء البريطاني لاحتلال تلك الجزر ففي يوم 8 يونيو احتلت الإنجليز جزيرة حنيش الكبرى وزقر ورفع العلم البريطاني فيهما قبل احتلالهم لجزيرة كمران في اليوم التالي وضرب الحامية العثمانية في منطقة الصليف المواجهة لجزيرة كمران .
وفي 10 يونيو توجهت السفينة الحربية البريطانية (مينتو) لحصار وضرب ميناء اللحية لمساندة قوات الادريسي التي عقدت معه معاهدة .
أخطر الوثائق
وفي أواخر عام 1917م كتب هارولد جاكوب من القاهرة تقريرا عن الحدود المستقبلية لبريطانيا في اليمن…( أما بخصوص المدن الساحلية كالحديدة والمخا وموانئ الزرانيق فيجب إدخالها في النفوذ البريطاني وخاصة الحديدة التي يجب أن تحصل فيها الحديدة على امتيازات لكى تصبح تحت التأثير البريطاني ولإحباط طموحات الإدريسي والإمام يحيى في هذه المدينة… ) .
كان هذا من اخطر التقارير والذي على ضوؤه بعد عام تم قصف الحديدة واحتلالها دون سابق انذار في 14ديسمبر 1918م بذريعة عدم انسحاب العثمانيين من اليمن بعد هزيمتهم بالحرب العالمية الاولى ) ونشير إلى ما ورده في كتاب ( كتيبة الحكمة ) لمؤلفه المؤرخ عبدالكريم بن أحمد مطهر بقوله : ( ويتضح من الوثائق البريطانية أن السياسة البريطانية كانت تحاول خداع حكومة صنعاء بشأن مدينة الحديدة فقد نشط الضباط البريطانيون خلال عام 1920م للالتفاف على مطالب صنعاء الإقليمية وخاصة فيما يتعلق باحتلالهم للحديدة فأوعزوا إلى بعض أعيان الحديدة رفع الاسترحامات والاستعطافات والالتماسات بواسطة الحاكم السياسي في الحديدة الميجر ميك إلى لجنة الأمم ( عصبة الأمم) التي ستلتئم في باريس في مؤتمر الصلح يعبرون فيها عن مطالبهم تمشيا مع القاعدة المنشأة بين الدول في حق تقرير المصير وفي هذه الاسترحامات المملاة من الضباط البريطانيين يبدي الأعيان رغبتهم في الابقاء على القوات البريطانية وعدم تقليص اعدادها بدعوى حماية أهل الحديدة من هجمات قوات صنعاء او الإدريسى ….. ومطالبين بان تكون الحديدة تحت الانتداب البريطاني …… وحدود تلك الدولة او المملكة الساحلية التي سعت بريطانيا انشاءها تضم الحديدة بحدودها العثمانية التي تمتد من أبي عريش أي المنطقة التي يسيطر عليها الإدريسي في الشمال إلى زبيد في الجنوب التابعة لصنعاء وتشمل ايضا جبل ريمة وملحقاته وجبل برع بمدنه ونواحيه وعزلاته ).
واحتلال الإنجليز للحديدة لعدة أهداف ومطامع استعمارية فسياسيا الضغط على حكومة صنعاء للاعتراف بشرعيتهم في جنوب اليمن وانسحاب قوات صنعاء من مناطق سيطروا عليها في جنوب اليمن واقتصاديا خنق صنعاء بحصار بحري وتأمين خطوط الطريق البحري الى مستعمراتها بالهند عبر السيطرة على الساحل الغربي وموانئه و مضيق باب المندب وعسكريا الوقوف في وجه الاطماع والنفوذ الاستعمارية لدول أخرى .
واستراتيجيا خلق دولة مستقلة في الساحل الغربي تفصل بين الساحل والمناطق الجبلية وتكون تحت هيمنتها وسيطرتها ومن أجل تحقيق ذلك اقدمت على رفع عريضة الى عصبة الأمم بأسماء اعيان وتجار ووجهاء الحديدة وتهامة وبعض المناطق الجبلية المحايدة لتهامة يطالبون بدولة مستقلة لا تخضع لصنعاء ولا إلى الإدريسي .
محاولة بتلك العريضة اظهار مظلومية سكان الحديدة وتلك المناطق الساحلية ورغبتهم في تقرير مصيرهم . فاحتلال الانجليز لساحل الغربي بمثابة ضمان لقيام دولة ساحلية مستقلة عن صنعاء ونحن اليوم نشهد أن تلك الوثائق والتقارير والخطط تعود بأهدافها من خلال العدوان على اليمن 2015م وتمسكهم بالساحل الغربي والجزر اليمنية تعود إلى استراتيجية استعمارية بدأت منذ مائة عام
المصدر: سبتمبر نت
خليك معنا