الصباح اليمني_مساحة حرة|
للوهلة الأولى قد يبدو للقارئ أن لا علاقة تذكر بين وادي عارة وابو ظبي وغيرها من العواصم التي تعاقدت مؤخراً مع تل أبيب ضمن ما يعرف بإتفاقية التطبيع أو (إتفاقية إبراهيم) كالمنامة والخرطوم والرباط، إلا أن قراءة المشهد من زاوية تفكير الأمن القومي الإسرائيلي تظهر أن هناك ترابط وثيق بين الطرفين.
لا سيما وأن التهديدات الجارية والمتوقعة للأمن القومي الإسرائيلي وهي المحرك الرئيس لتصريحات أحد كبار ضباط الجيش الإسرائيلي المتعلقة بتحركات الجيش على شوارع وادي عارة في حال نشوب حرب على الجبة الشمالية أو على عدة جبهات، وكذلك هي المحرك الرئيس للمناورة البحرية المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة وكل من أبو ظبي والمنامة.
من جتها كانت كل من الإمارات والبحرين قد شاركتا في مناورة عسكرية بحرية هي الأولى من نوعها مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في البحر الأحمر يوم الأربعاء الماضي الموافق 10/11/2021، كما أن إسم وادي عارة كان قد سيطر على عناوين الصحف ونشرات الأخبار التلفزيونية الإسرائيلية المركزية على أثر تصريحات رئيس شعبة التكنولوجييا واللوجستيك في الجيش الإسرائيلي (يتسحاق ترجمان) لصحيفة معاريف الإسرائيلية يوم الجمعة الموافق 12/11/2021، والتي قال فيها “في الحرب المقبلة لن تمر المركبات العسكرية التي تنقل الجنود والدبابات والعتاد العسكري من شارع وادي عارة في المثلث الشمالي وذلك تحسباً من إندلاع مواجهات تؤدي إلى تأخير وصول التعزيزات إلى جبهة أو جبهات القتال”.
وهنا ينبغي التأكيد أن سيناريو وادي عارة الذي أثاره (ترجمان) هو المحرك الأبرز من بين محركات أخرى للتطبيع مع الدول العربية أو بعضها الذي بدوره قاد للمناورة المشتركة المشار اليها سلفاً، حيث أدرك المؤسسون الأوائل للدولة لحظة الإعلان عن قيامها العام 1948، وكذلك أدرك المراقبون للمشهد الجيوسياسي الإسرائيلي ما بعد العام 1948، “أنه ومن أجل أن تحافظ إسرائيل على وجودها يجب أن تتوفر ثلاثة شروط، يدور الأول حول عمل كل يلزم لمنع توحد العرب في قوة عسكرية واحدة، ويتعلق الثاني بعدم خوض إسرائيل حرب على الحدود بالتزامن مع خروج الفلسطينيين لإنتفاضة تعيق حركة الجيش على الشوارع العامة، ويدور الثالث حول حرص إسرائيل على تحديد زمان ومكان ووتيرة الحرب.
تجدر الإشارة هنا أن هبة الشعب الفلسطيني للدفاع عن القدس والمسجد الأقصى في شهر مايو/أيار الماضي والتي شارك فيها الشعب الفلسطيني في كافة مناطق العام 1948 بفعالية غير مسبوقة قد كشف عورات شروط البقاء الثلاثة ولم يعد بالإمكان التحايل على الواقع وإخفاء هذه العورات أو تغيبها عن ساحة الجدل العام في إسرائيل.
فمن جهة صحيح أن العرب غير موحدين في قوة عسكرية واحدة، ولكن بالمقابل هناك قوة عسكرية عربية إسلامية موحدة، تمتد من فلسطين (غزة) إلى طهران مرورا بلبنان وسوريا واليمن والعراق، الأمر الذي دأبت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وكذلك مؤسسات البحث المتخصصة في قضايا الأمن القومي منذ أكثر من خمس سنوات بوضعه على رأس قائمة تهديدات الأمن القومي، ومن جهة ثانية أثبت الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلت والنقب ويافا واللد والرملة خلال إنخراطه في هبة الدفاع عن القدس والمقدسات أنه قادر على تشويش وشل الحياة بما في ذلك وقف التنقل على الطرقات سواء داخل المدن المشتركة أو على الطرق العامة التي تمر بالمدن الفلسطينية، ومن جهة ثالثة أثبثت هبة الدفاع عن القدس لا سيما معركة سيف القدس أنه لم يعد بإمكان إسرائيل تحديد مكان وزمان ووتيرة الحرب، الأمر الذي ترى هذه المقالة أنه يفسر مسارعة لندن إلى إدراج حماس في قائمة الإرهاب يوم الجمعة الماضي الموافق 19/11/2021.
أما من حيث دوافع إسرائيل للتطبيع مع الدول العربية، فقد أدركت مؤسسات التقدير في إسرائيل منذ بداية الألفية الجديدة أن التغيرات الإقليمية والدولية التي بدأت تطفو على السطح في نهاية العقد الأول من القرن الجاري تحمل في طياتها تهديدات للأمن القومي الإسرائيلي أكثر مما تنطوي عليه من فرص، لا سيما فيما يتعلق بتموضع أمريكا في المنطقة وتصاعد الأصوات الأمريكية بتقييد المساعدات الأمريكية لإسرائيل، الأمر الذي يجعل من أمن إسرائيل القومي في يد جيرانها أكثر مما هو في يد أمريكا، وذلك من حيث (من بين أهداف أخرى) توفير الأموال الكافية لتلبية إحتياجات إسرائيل الأمنية خاصة وأن موارد الأخيرة الطبيعية ليس بمقدورها توفير هذه الإحتياجات.
تأسيساً على ما تقدم يبدو جلياً لكل ذي بصيرة أن فلسطينيي العام 1948 وبعد أكثر من سبعة عقود على محاولات أسرلتهم، إلا أن عنصرية إسرائيل ظلت أقوى من كل محاولات الأسرلة والدمج، علاوة على أن إنتمائهم لفلسطين ظل أقوى وأصلب من أي وقت مضى، مما يجعلهم تهديدا لأمن إسرائيل القومي ويضع إسرائيل في مشكلة غير قابلة للحل في المدى المنظور، كما يبدو جلياً لأي مراقب أن إسرائيل ومعها أمريكا وعلى الرغم من المناورة المشتركة، إلا أن رهانهم على الأموال الخليجية أكثر من رهانهم على القوة العسكرية لهذه الدول.
وفيما تدرك دول الخليج ذلك، الأمر الذي بدا واضحا في السياسة الخارجية لدولة الإمارات مؤخراً، إذ بدأت تقترب أكثر من إيران وسوريا، إلا أن إنخراط الإمارات في التطبيع مع إسرائيل، يقوي ويشجع الأخيرة على أرتكاب المزيد من الإعتداءات على الحق الفلسطيني في لحظة بدأ فيها الراي العام العالمي يدرك أن إسرائيل هي دولة عنصرية ومصدر تهديد اساسي للأمن والسلم العالمي، الأمر الذي يبقي الصراع مفتوحاً على كل الإحتمالات، ويضع في نفس الوقت مزيد من الأثقال على كاهل الأجيال الإماراتية العربية الأصيلة الشابة في محاولتها تصحيح ما أفسده الشيوخ.
*المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي
_____________________________________________
المقالة أعلاه ليس بالضروة أن تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وإنما تعبر عن رأي الكاتب
خليك معنا