إثر ظهور الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، في قبضة الـ«مارينز»، حليق اللحية، بعد ظهوره ملتحياً أصدر الرئيس اليمني السابق تصريحه الشهير: – يجب أن نحلق لأنفسنا بأنفسنا، قبل أن يحلق لنا الأمريكان.
كان تصريحاً مسؤولاً، وفي الواقع سبق للرئيس صالح أن قام بهذا الحلق الوقائي الاستباقي، عندما دشن الإصلاح التعليمي، بإلغاء المعاهد الدينية المستقلة، قبل فترة وجيزة للغاية من الأحداث الإرهابية الشهيرة لــ 11 سبتمبر 2001م، التي علق عليها حينها بما معناه:
– الحمد لله أننا ألغينا المعاهد الدينية، قبل هذه الأحداث، وإلا كانت أمريكا ستجد سبباً لاتهامنا بالإرهاب!
لكن – وبمرارة – لماذا لا تقوم السلطات العربية بالإصلاحات الداخلية إلا تحت نير الضغوط الخارجية، أو – في أحسن الأحوال – استباقاً لتلك الضغوط الأجنبية؟!
في كل حال، بات إصلاح التعليم العربي، والإسلامي عموماً، مطلباً أمريكياً وغربياً ملحّاً، بما يتضمن ممارسة الدول الغربية كل الضغوط الممكنة على الدول العربية لفرض إجراءات حلق لحية الكتاب المدرسي.
مؤخراً، وفي نهاية زيارته للمملكة السعودية، صرح وزير الخارجية الأمريكي، عن تقبّل المسؤولين السعوديين لطلبه منهم الشروع بتغيير الكتب التعليمية الدينية، والأمر نفسه مطلوب، وسيتم فرضه تباعاً في معظم الدول العربية الأخرى.
قد تعني العملية، إجرائياً، مجرد استبدال الحديث العنصري «دم المسلم على المسلم حرام»، بالآية الإنسانية: «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس،ٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ، فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا، فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا».
لكن القضية ليست بهذه البساطة. المدرسون معدون ومؤهلون فقط لتدريس هذه المقررات الدراسية التي يؤمنون بها، بما يستوجب إعادة تأهيل هؤلاء المدرسين، وإلا فما فائدة حلق لحية الكتاب المدرسي إذا ظل المدرس ملتحياً؟!
على صعيد آخر، هذه المقررات الدراسية محكومة، كما في أي بلد، بسياسة تعليمية عامة، تمثل النظام الحاكم، في طبيعته السياسية وتوجهاته الأيديولوجية، ورؤيته لتحديات الحاضر، وحاجاته في المستقبل. والأنظمة العربية لديها بدرجات متفاوتة حساسية عالية من التغيير والتطوير، خاصة على المستوى الثقافي الفكري الاجتماعي الشامل والعميق، بما ينعكس عفوياً على الأهداف العامة للتعليم، واستراتيجيته العامة المحددة.
يقتضي هذا تغيير الأهداف العامة والاستراتيجية التعليمية للأنظمة، بما سيجعل إصلاح التعليم يصطدم بالضرورة بكثير من الخطوط الحمراء السياسية والاجتماعية والدينية.
هل يمكن للنظام السعودي مثلاً:
– تغيير الكتب المدرسية في معزل عن تغيير بنيته الفكرية والإيديولوجية، المعروفة عموماً بالتشدد؟
– هل يمكنه سياسياً الانسلاخ عن الوهابية، التي شاركت بصناعة النظام مقابل وهبنته، ووهبنة النظام التعليمي؟
هكذا يصبح تغيير الكتاب المدرسي أكثر خطورة وتعقيداً، لارتباطه بقيم وتوجهات وإيديولوجيات الأنظمة السياسية الحاكمة، وحتى الشعوب العربية في جزء كبير من وعيها وعاداتها وثقافتها السائدة.
إزاء كل ذلك، من المتوقع أن تختزل السلطات العربية، القضية في الكتاب المدرسي، وبمساحات هامشية، لا تتجاوز التحريض المباشر على الكراهية والعنف، وتكون بذلك قد التفت على واجباتها ومسؤولياتها في الإصلاح التعليمي الشامل والعميق، فضلاً عن التفافها على المطالب الدولية.
بعيداً عن المطالب الأجنبية، كان صفوة المثقفين والمفكرين العرب، طوال العقود الماضية، يقدمون المطالب نفسها، للأوساط والسلطات العربية، ليس فقط كحل لمشكلة الإرهاب، بل كعنصر جوهري، ضمن منظومة متكاملة من الإجراءات المنهجية للتطوير والتنمية، وكحجر الأساس للمشروع الكبير للحداثة والمعاصرة.
بيد أن الأنظمة العربية، ولأسباب مفهومة، لم تتخذ من التعليم حلاً تنموياً، فأصبح مشكلة سياسية أمنية، تجاوزت كل الحدود، وصولاً إلى إقلاق سكينة العالم برمته، بما فيه الدول الغربية التي باتت مصالحها تتضرر من الممارسات الإرهابية، بدرجة ما، قد تكون مؤثرة، لكنها عموماً ضئيلة جداً مقارنة بالكوارث التي يحدثها الإرهاب في العالم الإسلامي.
الإرهاب مشكلة عربية وإسلامية أولاً، ولا يجب أن تتم مكافحته – في التعليم ومن خلال التعليم – استجابةً أو استباقاً لضغوط خارجية فقط، بل، قبل كل شيء، استجابة لضغوط الواقع العربي، وتلبية للحاجة الملحة في التنمية والتغيير، وتجاوز الرجعية والتبعية والانحطاط.