الصباح اليمني_متابعات|
ظلت اليمن، عبر التاريخ، محل أطماع الكثير من القوى الدولية، منذ القرون الأولى للميلاد، وحتى يومنا هذا، بدءا بالغزو الروماني في القرن الثالث الميلادي، مرورا بغزو الأحباش في القرن السادس الميلادي، ثم الغزو الفارسي، ثم البرتغالي، ثم العثماني الأول والثاني، ثم الإنجليزي، حيث كانت هذه البلاد بما تمتاز به صيدا سمينا يسيل له لعاب الغزاة الذين كانوا لا يلبثون أن يدركوا كم هي عصية على الابتلاع.
امتلكت اليمن من المقومات والثروات الطبيعية ما يثير أطماع القوى الدولية، فعلاوة على الموقع الاستراتيجي الهام الذي تتموضع فيه، وسيطرتها على طرق التجارة البحرية، وامتلاكها إطلالة على البحرين العربي والأحمر، بشريط ساحلي يصل إلى 2500 كيلومتر، وكذا سيطرتها على ثاني أهم مضيق في وسط العالم، وهو مضيق باب المندب الذي يمثل البوابة الجنوبية لقارات العالم القديم، والذي تمر عبره قرابة 40% من صادرات التجارة العالمية، فإن اليمن تمتلك من الثروات الطبيعية ما جعلها قديما تستحق “اسم بلاد العرب السعيدة”، إلا أن هذه الأطماع كانت لا تلبث أن تتبدد، حيث انكسرت كل محاولات الغزو، وخرج كل الغزاة مدحورين بعد أن هلك الكثير من جحافلهم بفعل المقاومة الشعبية الشديدة في كل مرة، ما جعلهم يطلقون عليها مقبرة الغزاة.
كيان واحد رغم التجاذبات
حافظت اليمن على كيانها كدولة رغم مراحل عدم الاستقرار التي عاشتها عبر التاريخ، إذ كانت لا تسقط دولة مركزية إلا لتظهر دولة جديدة توحد البلاد مجددا، وإن تخلل ما بين الدولتين نشوء دويلات تتمتع بحكم ذاتي، وكانت أبرز الدول التي توحدت اليمن تحت لوائها قديما هما دولتا سبأ ثم حمير، ومن بعدهما دخول اليمن الإسلام لتعيش فترة من التوحد ليأتي بعدها عصر الدويلات التي كانت كل منها تستقل في جزء من البلاد، بحيث تتمتع بشيء من الحكم الذاتي وتظل مرتبطة بالدولة الإسلامية سواء الدولة العباسية أو الفاطمية أو الأيوبية، إلا أن دولا تمكنت من توحيد اليمن أو سيطرت على أجزاء واسعة من البلاد، كالدولة الصليحية ودولة الإمام القاسم ابن محمد وابنه المتوكل إسماعيل بن القاسم.
الغزاة مروا من هنا، وعلى هذه الأرض أبيدت جحافلهم.. عشرات الممالك تعاقبت على هذه البلاد، لكن اليمن في نسختها الحديثة لم تعرف إلا في أعقاب الحرب العالمية الأولى بعد طرد الغزو العثماني وقيام الدولة المتوكلية شمالا، فيما كان الجنوب لا يزال يرزح تحت وطأة الاحتلال البريطاني.
التقسيم والأطماع
في الوقت الذي توحد فيه شمال اليمن تحت حكم الدولة المتوكلية، كان الاحتلال البريطاني في الجنوب حينها، يحاول ايجاد صيغة حكم تتناسب مع أطماعه التي لن تتم له إلا في ظل تفتيت كيان البلاد، وإنشاء كيانات صغيرة ومتصارعة، تطبيقا لسياسة “فرق تسد” فحاول المحتل إنشاء اتحاد إمارات الجنوب العربي في العام 1959 لكنها سقطت بعد ثلاث سنوات لينشئ بعدها اتحادا جديدا عرف بـ “اتحاد الجنوب العربي”، وهذا المشروع هو الآخر لم يدم طويلا، إذ سقط برحيل الاحتلال مع اندلاع ثورة اكتوبر من العام 1963.
لم تنجح فكرة الأقاليم أو الإمارات والسلطنات التي حاول الاحتلال البريطاني حكم عدن بها لأسباب عدة أبرزها أن ذلك المشروع مثّل تمزيقا للجسد الوطني الواحد، ووقف حجر عثرة في وجه أي مشروع وطني كبير.
بسقوط الاحتلال البريطاني توحد جنوب اليمن كدولة مع إعلان جمهورية اليمن الديمقراطية، والتي اجبرتها المتغيرات الدولية في تسعينات القرن الماضي على الاندماج مع الجمهورية العربية اليمنية بوحدة مشكلة بذلك الجمهورية اليمنية بصورتها الحالية.
الفيدرالية كشكل للدولة
توحدت اليمن مجددا في الثاني والعشرين من مايو 1990، وحدة اندماجية ذابت فيها شخصية دولتي الشمال والجنوب في كيان واحد هو الجمهورية اليمنية، حيث قفز النظام في الجنوب إلى الوحدة مدفوعا بالمتغيرات الدولية وعلى رأسها سقوط الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفييتي الذي كان يمثل الداعم الرئيس لهذا النظام، ورغم تحفظ نظام صنعاء آنذاك على شكل الوحدة، مفضلا أن تكون وحدة فيدرالية من إقليمين، أصر نظام عدن على أن تكون وحدة اندماجية، ليعود مجددا للمطالبة بالفيدرالية، بعد مرور ثلاثة أعوام من الوحدة، وتأزم الوضع بين النظامين اللذين ظل كل منهما محتفظا بقوته، ليصل الأمر إلى اللجوء لتحكيم عربي برعاية الجامعة العربية، وأفضى ذلك إلى توقيع وثيقة العهد والاتفاق التي كان أبرز بند من بنودها اعتماد الصيغة اللامركزية بطابع فيدرالي، وهو ما لم يتم الالتزام به، إذ أعقب التوقيع على الوثيقة بشهور اندلاع حرب صيف 94، التي حسمها نظام صنعاء لصالحه، ليختفي بعدها أي صوت يدعو للفيدرالية، وتظل دولة صنعاء المركزية هي المسيطرة على البلاد، حتى العام 2012 الذي تم فيه الإطاحة بنظام صالح، ليعاود مصطلح الفيدرالية الظهور مع عقد مؤتمر الحوار الوطني الذي تم برعاية دولية، ووفقا للمبادرة الخليجية التي سلم صالح بموجبها الحكم لنائبه عبدربه منصور هادي.
أعيد طرح الفيدرالية في مؤتمر الحوار الوطني بصنعاء عام 2013، كوسيلة لحل القضية الجنوبية التي قامت على أساس المظلومية التي لحقت بالجنوبيين، بعد حرب صيف 94، من قبل نظام صنعاء، الذي رأوا فيه قوة نهب للموارد والثروات، وقوة نفوذ للاستحواذ على السلطة، وعلى اعتبار أن المركزية المطلقة يجب أن تنتهي، ويذهب الجميع نحو لا مركزية يستطيعون عبرها أن يكونوا شركاء في السلطة والثروة.
وعلى هذا الأساس طُرحت الفيدرالية كأبرز قضايا مؤتمر الحوار الوطني، الذي استمر من الـ 18 مارس 2013 وحتى الـ 25 يناير 2014، وهي الفترة التي شهدت الكثير من الشد والجذب في ما يخص شكل الدولة الاتحادية، وعدد الأقاليم، حيث كان لكل مكون من المكونات السياسية المشاركة في الحوار رؤيته، إلا أن أيا من تلك الرؤى لم يتم الأخذ بها، ليتم بعد ذلك الخروج برؤية الأقاليم الستة، والتي تم اعتمادها بطريقة مريبة، بعيدا عن ما طرحته جميع المكونات التي وجدت نفسها مطالبة بالموافقة عليها وحسب رغم تحفظات هذه المكونات عليها، من ناحية عدم ملائمة الظرف الزمني لإقرارها، وكذا الخلل الذي شاب تقسيم الأقاليم سواء من الناحية الاقتصادية والجغرافية أو من الناحية الديموغرافية والسكانية، أو من ناحية الصراعات المستقبلية التي يمكن أن تنتج عن هذا التقسيم.
المصدر: البوابة الإخبارية اليمنية
خليك معنا