الصباح اليمني_مساحة حرة|
الاستراتيجية مبدأ أساس في التخطيط للحروب، وعند متابعة تاريخ الحروب يمكن للباحث أن يستنتج الاستراتيجية التي تعتمدها كل دولة في تخطيطها للحرب قبل دخولها. فالولايات المتحدة الأمريكية كما هو ثابت حتى الآن تعتمد عدة أسس أهمها، ولا أقول كلها:
أولا: عدم الالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية التي توقعها، وتعتبر دخولها في هذه الاتفاقيات قضية مرحلية تنسحب منها متى ارادت أو لا تتقيد ببنودها دون الانسحاب منها، والنماذج على ذلك كثيرة وآخرها الانسحاب من الاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي والمطالبة بمفاوضات جديدة، كما انسحبت قبل فترة قريبة من اتفاق باريس لتغير المناخ والذي وقعه 195 دولة واستغرق الوصول إليه مؤتمرات وسنوات عدة. وانسحبت من معاهدة إزالة الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى مع الاتحاد السوفييتي.
ثانيا: العمل على نزع سلاح الخصم بالوسائل السلمية والضغوطات والمفاوضات تمهيداً لشن الحرب عليه وهو منزوع السلاح، غير قادر على المواجه أو المقاومة، كما حدث في تدمير صواريخ العراق وقصف مفاعله النووي، وتدمير الأسلحة الكيماوية في سوريا، وتصريحات ترامب الأخيرة: ” في حال تخلى الإيرانيون عن برنامجهم النووي فسأكون أفضل أصدقائهم وسيكون لديهم بلد غني وسيكونون سعداء جداً”.
ثالثا: توريط الخصم بمشاريع اقتصادية فاشلة تهدف إلى تدمير اقتصاده وتجعله في وضع العاجز عن تمويل برامجه العسكرية، وكتاب القاتل الاقتصادي يوضح ذلك، وكذلك ما حدث مع الاتحاد السوفياتي في توريطه بسياق تسلح وهمي أنهك اقتصاده.
رابعا: حصر ميدان المعركة وتحديد مكانها وزمانها ومراحلها ومدتها الزمنية.
خامسا: الاعتماد على القوة التدميرية التكنولوجية وتجنب الاشتباك المباشر.
سادسا: الاعتماد على عملائها في داخل البلاد المستهدفة، حيث تكون قد أخضعتهم خلال سنوات طوال إلى التدريس والتثقيف والتدريب في معاهدها إلى أن توصلهم لمرحلة غسيل الدماغ، وتسميهم بالعادة اصدقاء وتدعمهم مالياً وإعلامياً، ثم تتخلي عنهم عند انتهاء مهماتهم أو خسارة المعركة. وبهذه الطريقة تعاملوا مع شاه إيران، ومع عملائهم في فيتنام الذين حاولوا تسلق السلم والهروب معهم ولكن الامريكان الهاربين أسقطوا السلم حتى لا يهرب أحد معهم.
الثورة الإيرانية فهمت واستوعبت الاستراتيجية الأمريكية وأعدت استراتيجيتها للمواجهة.
اعتمدت إيران في استراتيجيتها لمواجهة الولايات المتحدة على مبدأ معتمد في مهارات النجاح وهو “تحويل المشكلات إلى فرص”
المشكلة الأولى كانت عندما فُرض عليها تحجيم برنامجها النووي فدخلت في مفاوضات طويلة، وقدمت تنازلات كان ورائها هدف كسب الوقت لتجنب المواجهة المسلحة، واستكمال بناء قدراتها الدفاعية والصاروخية الذكية والدقيقة وبعيدة المدى، ولا استبعد أن تتمخض المناورة الإيرانية عن الدخول في مفاوضات جديدة لكسب مزيداً من الوقت، إذا أحست أن الحرب قادمة، وان ذلك قد يساعدها في استكمال برامجها العسكرية واسلحتها السرية.
المشكلة الثانية والتي وجدت إيران نفسها فيها وحولتها الى فرصة كانت عشرات القواعد العسكرية الأمريكية والبوارج المحيطة بها، حيث نجحت بتحويلها إلى أهداف في مرمى صواريخها الذكية والدقيقة، واعدت لذلك ما يقارب 75 ألف من الصواريخ البالستية.
وبالنسبة للقوة التدميرية فقد هيأوا أنفسهم لها بشبكات الانفاق تحت الأرض والتي عايشنا عينات منها ونجاحها لدي حزب الله وفي غزة.
واما بالنسبة لحصر ميدان المعركة وتحديد مكانها وزمانها ومراحلها ومدتها الزمنية. كما حدث في الحرب على العراق التي تم تحويلها إلى جزيرة تتلقى الضربات من كافة الجهات، وحسمت فيها المعركة في فترة زمنية وجيزة طبقاً للخطة حسبما صرح القادة الأمريكان.
وفي هذا المجال اعتمدت ايران على توسيع وتشتيت ميدان المعركة المنتظرة بعيداً عن الأراضي الإيرانية، فبحثت عن مناطق تتوفر فيها الحواضن الشعبية الايدلوجية لتؤسس فيها قواعد وقوات عسكرية عقائدية يمكن الوثوق بها وتدريبها وتسليحها، فأنتجت هذه الاستراتيجية كل من حزب الله في لبنان، والجهاد الإٍسلامي وحماس في فلسطين، وحركة الشباب المؤمن وبالتالي حركة أنصار الله في اليمن (ما يسميه الإعلام الغربي بالحوثيين) وقد أصبحت كل هذه المواقع قوى عسكرية فاعلة لها تأثيرها ويحسب حسابها ونفوذها في كل من فلسطين المحتلة والبحر المتوسط والبحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
يضاف إلى ما سبق في إطار توسيع ميدان المعركة، فقد اُرسلت عدة رسائل استراتيجية مفادها، إذا فرض الحصار الأمريكي على النفط الإيراني ومنع تصديره، فإن خطوط النفط وناقلاته وموانئه خارج مضيق هرمز لن تكون آمنة.
فكانت الرسالة الأولى قصف محطتي الضخ رقم 8 و9 واتي تضخ النفط من شرق السعودية إلى غربها في ينبع على البحر الأحمر بمسافة تزيد عن 1200 كيلو متراً، والتي أنشأت عام 1982 لتتجاوز مضيق هرمز في حالة إغلاقه وضمان استمرار التصدير عن طريق البحر الأحمر. وقد قامت بقصف هذه المحطات 7 طائرات يمنية مسيرة، في عملية عسكرية مشروعة حيث أن اليمن في حرب مع السعودية.
وأما الرسالة الثانية فكانت هجوم على عدة سفن، خارج مضيق هرمز، في ميناء الفجيرة أو بالقرب منه أو مقابل السواحل الإماراتية او في المياه الاقتصادية للإمارات او قرب المياه الإقليمية، او في يحر عُمان، وكان من بين هذه السفن ناقلتي نفط سعوديتان هما امجاد والمرزوقة، وتبلغ حمولة الأولى 200 ألف طن متري، وحمولة الثانية 105 ألف طن متري، وبغض النظر عمن قام بهذا الفعل فإن الهجوم السعودي الإماراتي على اليمن يبرر للأخيرة القيام بمثل هذا العمل فهم في حالة حرب.
وأما الرسالة الثالثة فقد أرسلها حسن نصر الله في خطابه في يوم القدس في الجمعة الأخيرة من رمضان، وأعاد إلى الذاكرة قصف بارجه اسرائيلية في البحر المتوسط، وبالتالي أكد أن الكيان الإسرائيلي والبحر المتوسط لن يكونا أمنين إذا اقتضت الظروف ذلك.
ولن تفوتنا الرسالة الرابعة التي تمثلت في القصف الصاروخي الأخير لكل من الجهاد الإسلامي وحماس على الكيان الإسرائيلي، مذكرين بعدد الصواريخ والفترة الزمنية القصيرة التي اُطلقت خلالها، وقواعد اطلاقها التي كانت في باطن الأرض، والذعر والهلع والقتلى والمصابين في صفوف المستوطنين.
والرسالة الخامسة كانت في اسقاط طائرة التجسس الأمريكية المسيرة درون هوك قبل أيام وبذلك يكون مجموع ما أسقطته إيران منذ عام 2011 ست طائرات مسيرة.
كل هذا دعا كل من ترامب ونتنياهو المقبلين على انتخابات نيابية التوقف عن الاندفاع نحو الحرب ومراجعة الحسابات والخسائر التي يمكن أن تلحق بهما وتخرجهما من الحلبة السياسية.
اشترك في قناتنا على التليجرام: https://t.me/alsabahalyemeni0
خليك معنا