كان من المتوقع ان تقدم دولة قطر على سحب سفرائها من ثلاث دول خليجية، وهي المملكة العربية السعودية، ودولة الامارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، كرد على الحملة الإعلامية التي تعرضت لها في الأيام القليلة الماضية على ارضية تصريحات منسوبة لامير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، غرد فيها خارج السرب الخليجي، وعارض التصعيد ضد ايران، وانتقد قمم الرياض، وتنبأ بسقوط وشيك للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهي التصريحات التي جرى نفيها لاحقا، وكشف الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير خارجية قطر، عن نوايا في هذا الصدد، أي طرد سفراء الدول الخليجية الثلاث من الدوحة، او سحب سفراء بلاده في عواصمها لـ”التشاور”، ولكنه آثر التهدئة، ربما بطلب من قيادته العليا، واكد ان تصريحاته في هذا الخصوص جرى اخذها في “غير سياقها”، واستتبع ذلك بسحب تغريداته، والقول بان حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي تعرض للاختراق، الامر الذي فسره كثيرون بأنه “ارتباك” قطري ناجم عن شدة الصدمة وشراسة الحملة.
الحروب، او معظمها، تبدأ دائما بالتصعيد الكلامي، والتوظيف الإعلامي، سواء في التاريخ القديم او الحديث، فكم من القصائد اشعلت حروبا ضروسا بين القبائل، او مهدت لها على الأقل، ومن يتابع امبراطوريات الاعلام الخليجية، وجيوشها الالكترونية على وسائط التواصل الاجتماعي يدرك ان هناك غيوما سوداء توشك ان تمطر رصاصا وصواريخا، وربما ما هو اكثر من ذلك، الا اذا نجحت الوساطة الكويتية التي بدأها الشيخ صباح الأحمد الصباح بزيارة الدوحة امس، وهناك شكوك كبيرة بنجاحها.
امير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يدرك جيدا ما هو الجرح الذي يوجع خصومه في ابوظبي والرياض والمنامة، وبدرجة اقل القاهرة، ولذلك بادر بالاتصال بالرئيس الإيراني حسن روحاني تحت غطاء التهنئة بالفوز في الانتخابات الرئاسية، ومقدم شهر رمضان المبارك، مؤكدا ان علاقة قطر بايران علاقة عريقة وتاريخية ومتينة، وانه يتطلع (أي الأمير تميم) “الى تعزيز هذه العلاقات اكثر فاكثر ولا يرى موانع في الطريق”، وقال انه “اصدر أوامره للأجهزة التنفيذية في قطر لبذل المزيد من الجهود في سبيل تعزيز هذه العلاقات مع ايران”.
الاعلام الإيراني رحب بهذا الاتصال، وتغيرت تغطيته كليا للاحداث، وغفر لقطر كل ذنوبها في سورية وليبيا والعراق واليمن، وبات يتعاطى معها كدولة صديقة، وحليف أساسي في محور الممانعة، وهو أسلوب يعكس احد جوانب “البراغماتية” الإيرانية ونهجها السياسي الذي يقوم على الهدوء وكتم “الغيظ”.
اتصال امير قطر بالرئيس روحاني انعكس فورا في حملات شرسة في وسائل الاعلام السعودية التي ازدحمت بالمقالات التي تنبش في ماضي قطر العدائي للمملكة، وذهبت حالة الغضب الى درجة اخراج قطر واميريها الحالي والسابق، وربما كل آل ثاني من المذهب الوهابي، عندما جرى نشر بيان لاسرة آل الشيخ وقعها مفتي المملكة عبد العزيز آل الشيخ، و200 شخصية بارزة من اسرة الامام محمد بن عبد الوهاب، ينفي أي انتماء للعائلة (آل ثاني) لاي من فروع هذه الاسرة، ويطالب باسقاط اسم الامام (محمد بن عبد الوهاب) عن الجامع الذي بناه امير قطر السابق في وسط الدوحة، وتقاطر شيوخ المملكة ودعاتها لالقاء خطب الجمعة من علي منبره، ومن بينهم المفتي نفسه، والدعاة محمد العريفي وسلمان العودة والقائمة تطول.
لن نخوض في جذور الخلاف المزمنه بين قطر من ناحية والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات والبحرين من ناحية أخرى، فهذا يحتاج الى مجلدات، لكننا لا نستبعد ان يعيد التاريخ القريب نفسه، وان تقدم الدول الثلاث على سحب سفرائها من الدوحة على غرار ما فعلت عام، 2014 في اول خطوة تصعيدية تكون مقدمة لخطوات اكثر خطورة بالنظر الى اتساع رقعة الخلاف.
اقدام قطر على تطوير العلاقات مع ايران في وقت تمهد السعودية لتأسيس تحالف عسكري وسياسي “سني” ضدها، بدعم الرئيس ترامب ومباركته، يشكل تجاوزا لكل الخطوط الحمر من وجهة نظرها، والاتصال بالرئيس روحاني في مثل هذا التوقيت، تأكيد على سياسة قطر، واخراجها الى العلن وتحد جريء طابعه استفزازي، حسب ما ورد في الصحف السعودية ومقالات كتابها.
قطر ربما لا تخرج من المذهب الوهابي فقط، وانما لا نستبعد خروجها او إخراجها من مجلس التعاون الخليجي أيضا اذا استمر هذا التصعيد على وتيرته الحالية، هذا اذا لم يتطور الى الأسوأ.