الصباح اليمني_ثقافة وهوية|
عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي، ذلك الفيلسوف المسلم الكبير الذي وضع نظرياته الفلسفية الهامة في كتابه المقدمة، لم يكن ابن خلدون سوى المرحلة الأخيرة من الحضارة الإسلامية الزاهرة، لقد جعل جميع أفكاره الفلسفية والاجتماعية والتاريخية رهن التطوّر الفلسفي الطويل عبر القرون التي برع فيها المسلمون وبزغ نجمهم الحضاري والثقافي.
في هذا المقال نناقش بعض من أفكار ابن خلدون، الاجتماعية والفلسفية خاصة تلك التي تتعلق بوصفه للعرب، وكيف وصف الرجل اجتماعياً وبكل فلسفي تاريخي ممتع وعميق حال العرب الذي يبدو أنه لم يتغير منذ القرن الرابع عشر الميلادي وهو القرن الذي شهد عبقرية ابن خلدون وحتى كتابة هذه السطور!.. إذن هيا بنا نتعرف في عجالة سريعة على أهم أفكار ابن خلدون.
حالةُ المجتمعِ الذي نشأ فيه ابن خلدون مع موهِبة النَّظَر والتحليلِ والاستنتاج، هي التي ألَّفَت فلسفته الاجتماعية التي حوتها المقدِّمة، وضروري بعد هذا أنَّ نَرَى المجتمع التونسي المُتَحَضِّر أمامَ هَجَمَاتِ البَدْو المتوحِّشين يولِّد نظرية ابن خلدون في نقص الشَّجَاعة في الحَضَر وقوَّتها في البدو، وإن ما كانَ يزيدُ استسلام المجتمع التونسي من المَظَالِم يولِّد نظريته في أنَّ مُعَاناةِ الأحكام في الحَضَر مفسدة للبأس فيهِم، ذاهبة للمَنَعة منهم، وأن ضعف تونس عن مُقاومة بني هِلال يولِّد رأيهِ في أنَّ الأُمَم الوحشية أقدَرُ على التغلُّب من سواها، وأنَّ نَرَى مظهر يأس المُجتَمَع التونسي منَ الخَلاصِ في قوله إن الأُمَّة إذا غلبت أسرَعَ لَهَا الفَنَاء، ثمَّ أليست المثالب التي وجْههَا للعرب مقصوداً بها المَظْهَر الذي ظَهَرَ بهِ العرب في عصرهِ، وهو مظهر عصاباتِهِم الهِلالية..
— الشيخ محمد الفاضل بن عاشور.
ابن خلدون والعرب:–
هو مؤسس علم العمران وهو علم عربي خالص يعتبر حديثاً علم الاجتماع أو خلط الفلسفة التاريخية بعلم الاجتماع وتفسير الظواهر الاجتماعية، لقد وصف حال العرب ونعتهم بالعديد من الصفات مثل:
- متنافسون في الرئاسة حيث قال نصاً: فهم متنافسون في الرئاسة وقل أن يسلم أحد منهم الأمر لغيره ولو كان أبوه أوأخوه أو كبير عشيرته إلا في الأقل وعلى كره.
- رأى أن العربي دائماً يتوق إلى الزعامة ويبذل في سبيلها الغالي والنفيس من أجل أن يصل إلى ما يرغبه.
- رأى في كتابه المقدمة أيضاً أن العرب لا يحبون المحاسبة أو المراقبة وهنا يتحدث عن بنوية الدولة عند العرب في القرون الوسطى أنهم لا يرون أن المراقبة على سلوكيات الحكام وأصحاب المناصب ذات شأن.
وهنا يجعل ابن خلدون يفسر عبر النظريات التاريخية وعبر الشواهد المختلفة من التاريخ العربي والإسلامي، أن الدول العربية خلال تلك العصور كان تتحكم فيها أدوات الطغيان والسلطوية.
الدين وعلاقته بالعرب عند ابن خلدون:-
ابن خلدون يرى أيضاً خلال كتابه المقدمة العديد من النظريات الفلسفية والاجتماعية التي تتحدث عن انقياد العرب للدين عموماً وأنه لا يحدث لهم الملك والمكانة والشأن الكبير إلا بدعوة دينية خالصة، ودعوة ملهمة كدعوة الإسلام وغيرها من الدعوات.
يقول ابن خلدون في مقدمته:” العرب لا يحصل لهم المُلك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية“
ومن خلال التاريخ وفلسفته العميقة يرى ابن خلدون أن دعوات الدين هي وحدها تحرك العرب نحو الأشياء العظيمة الملهمة التي يقومون بها وتلك الإنجازات التي حققوها عبر تاريخهم، مثل المعارك المصيرية التي خاضوها، والأعمال الجليلة الحضارية التي حققوها، وكذلك دعوات الملك والدول المختلفة في المشرق والمغرب التي أسسها على أساس الدعوة الدينية التي انقادوا لها.
ابن خلدون وصفات العرب:-
ربما يفسر بعض الفلاسفة والعاملين في حقل علم الاجتماع الحديث أن موقف ابن خلدون، من العرب كان سلبياً إلا أن هذه الرؤية غير متكاملة عند البعض، حيث رأى وفسر وشرح صفات العرب من حيث سمات الترحال والصفات الصعبة وعدم الانقياد للسلطان إلا بدعوة عامة.
وبما هذه الصفات فينا نحن العرب، ولم يقسُ على وصف العرب بالكثير من الصفات السلبية في عصره المضطرب الذي يشبه إلى حد بعيد العصر الذي نعيشه اليوم في معظم البلدان العربية.
طابعُ العرب ميلٌ إلى البداوة، وحُكْم بالقبلية، واعتزاز بدمهم، واحتقار لغيرِ جِنْسِهِم، وزهْوهم بسيفهم ولسانهم، وقلقهم واضطرابهم، فإذا أحسُّوا ضعفَ رئيسهم فما أسرَعَ ثورتهم!، ثُمَّ هُمْ أسرع ما يكون قبولاً للتأقْلُم والتَّحَضُّر، فإذا تحضَّرُوا انغَمَسُوا في النَّعيم، ومالوا إلى خَصب العيش، وتأنَّقوا في المأكَل والملبس والمشرب، كما كانَ شأن الفاطميين بعد انتقالهم من المغرب إلى مصر، وكَمَا كانَ شأنُ من نَزَلَ مِنَ العَرب في الأندلُس، وكما كانَ شأنُ العرب الفاتحين لبلاد فارِس والرُّوم، وهُم في أوَّلِ أمرهم شجعان صُرَحَاء بُسَطَاء، فإذا انغمسوا في النَّعيم، وقعواً في سيئات الحضارة، ففقدوا صراحتهم وبساطتهم، أحبُ إليهِم الأدب والشِّعْر لا الفلسَفة والعِلم، إلَّا أن يستعينوا بغيرهِم من الموالي في تجميل دولتهم بالفلسفة والعِلْم.
— أحمد أمين، كتاب ظُهْرِ الإسلام، حيث يبدو تأثر المفكر المصري الكبير بطروحات ابن خلدون.
الخلاصة:-
القناعة التي توصَّل إليها ابن خلدون كانت بشكلٍ أو بآخر رهينة بالوَضع الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي الذي كان سائداً في عصره، فصحيحٌ أن غيره من المفكرين تحدثوا عن تفوق غير العرب عليهم في العلوم والفنون المختلفة، لكنه لم يُرِد الحَطَّ من قيمة العرب ورفع مكانة سواهم، إذ أنه هو شخصياً حضرمي الأصل.
فقد عايش ابن خلدون تلك الحقبة المضطربة سياسياً والتي تشظَّى فيها المشرق الإسلامي إلى دويلات كانت منكشفة على الأمم التي اجتاحتها من قبيل المغول والترك والتيمورين، بالتزامن مع استمرار الحملات الصليبية، وفي المغرب لم يكُن الحال أفضل من المشرق، إذ تغيَّرت الأنظمة السياسية والولاءات المرتبطة بها كثيراً في حياته، بل إنه هو نفسه كان مثالاً للتقلب في الانتماء السياسي تبعاً لما اقتضته مصلحته الآنية.
خليك معناالمصدر: تاريخ كوم