كشفت صحيفة الـ”إندبندنت”البريطانية عن معركة سرية تخوضها الاسرة السعودية ضد مواطنيها داخل المملكة، بعيداً عن عدسات الصحافة والاعلام ، مؤكدة استخدام القوات السعودية القوة المفرطة ضد نشطاء ومعارضين من الاقلية الشيعية في منطقة العوامية بمحافظة القطيف شرق المملكة .
ويشير التقرير الذي اعدته مراسلتها في بيروت بيثان ماكرمان، إلى أن العوامية، التي تعود إلى أربعة قرون في محافظة القطيف، ويعيش فيها حوالي 30 ألف مواطن معظمهم من الشيعة، محاصرة منذ مايو ، بعدما فشلت محاولات إخراج محتجين من البلدة القديمة فيها بهدف ازالتها،لتتحول إلى مواجهة عنف مع قوات الأمن.
وتضيف ماكرمان إنها “نقلت عن ناشطين تحدثوا عن موت 25 شخصا على الأقل بسبب القصف ورصاص القناصة”، مضيفة أن” الناشطين زودها بصور عن دمار حل بمباني البلدة وخراب للمصارف الصحية،بشكل يذكر بالمشهد في سوريا، التي تعيش حربا أهلية، وليس بلدا خليجيا نفطيا”.
وتعترف الصحيفة بأنه من الصعب التأكد من المعلومات القادمة من العوامية؛ نظرا لعدم السماح للصحافة الأجنبية بدخولها، أو الاقتراب من الحزام الأمني المفروض على البلدة، ما يعني اعتماد الصحافة على الإعلام السعودي الذي يواجه رقابة شديدة، ومواقع شيعية يشك بمصداقيتها، وتعليقات أخرى على وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أن الصور المروعة للجرحى والدمار الذي حل بالبيوت لا يمكن التأكد منها.
ويلفت التقرير إلى أن الصورة، التي رسمها باحثون وسعوديون تحدثت معهم الصحيفة، بينهم مسلح داخل المدينة المحاصرة وناشطان من المؤيدين للعوامية يعيشان في الخارج، تصف الوضع الذي تعانيه البلدة، حيث قال المسلح المعارض للحكومة داخل العوامية: “كنت محتجا سلميا، وكلنا في العوامية كذلك، حتى قررت الحكومة تصنيفنا مطلوبين إرهابيين؛ لأن كل ما طالبنا به هو الإصلاح، ولأننا لا نخشى النظام فقد تم استهداف المدينة كلها”.
وتذكر الكاتبة على لسان الناشط المسلح “بأن قوات الحكومة داهمت بيته في بداية الحصار، وضربت زوجته، وصوب عناصر الأمن السلاح على ابنته البالغة من العمر خمسة أعوام، ورفعوا ابنه البالغ من العمر 8 أشهر، وهددوا برميه على الأرض، ويقول: “قالوا لابنتي الصغيرة: سنقتل والدك ونرمي رأسه بين رجليك”، ويضيف: “لا خيار أمامنا، فالدفاع عن حياتنا ونسائنا واجب، لقد دمروا بيوتنا بالقنابل والأسلحة الثقيلة والـ(آر بي جي)، والكل صار مستهدفا”.
وينوه التقرير إلى أن الصحافيين ومراقبي حقوق الإنسان يجدون صعوبة في تحديد هوية المسلحين، وكيفية وصول الأسلحة لهم، وعددهم، لافتا إلى أن المصادر المسلحة في داخل المدينة رفضت التعليق على عدد المقاتلين، أو أصول القوة المقاتلة.
وتبين ماكرمان أن المؤيدين للعوامية يتفقون أن محاولة الحكومة تدمير الحي القديم فيها هي محاولة للقضاء على المعارضة المسلحة فيها وللأبد، حيث يقول الباحث في “هيومان رايتس ووتش” حول الشرق الأوسط آدم غوغل: “لقد وثقت النزاع في السعودية من قبل، لكنني لم أشهد احتجاجات كهذه من قبل، ولا شيء بهذه الطبيعة العسكرية”، ويضيف أن “التفاصيل قليلة، لكن ما هو واضح هو المواجهات العنيفة بين الدولة وأبناء المدينة في الوقت الحالي، وهذا أمر غير مسبوق”.
وتورد الصحيفة نقلا عن سكان في البلدة، قولهم إنهم يخافون مغادرة منازلهم؛ بسبب القصف ورصاص القناصة، رغم قطع التيار الكهربائي والماء عنها، ما يتركهم دون مياه صحية صالحة للشرب أو مكيفات هواء في الحر الشديد.
وينقل التقرير عن ناشط مقيم في أمريكا، قوله: “الكثير من الناس خائفون، لدرجة أن يتم ترك الجثث في الشوارع لعدة أيام”، حيث لا تستطيع سيارات الإسعاف أو النظافة الدخول للبلدة؛ بسبب توقيفها على نقاط التفتيش، بشكل يساهم في الوضع الذي لا تحسد عليه، منوها إلى أن العوامية هي بلد نمر النمر، الذي أعدمته السعودية بتهم الإرهاب العام الماضي.
وتورد الكاتبة نقلا عن مدير المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان في برلين علي الدباسي، قوله إن المواجهة الحالية لا يمكن التعامل معها من منظور طائفي فقط، وكان قد هرب من البلاد عام 2013 بعد اعتقاله وتعذيبه، وأضاف: “عندما قتلوا الشيخ النمر فإنه أعدموا معه 4 شيعة آخرين، و43 من السنة، فهناك أمور أخرى غير الطائفية، وأعتقد أنهم يقمعون أي منطقة معارضة، وكل ما يريدون عمله هو إفراغ البلدة وإنهاء الاحتجاج”.
وبحسب التقرير، فإن الناشطين يتهمون الحكومة بإطلاق النار بطريقة عشوائية على السكان، وهو ما تنفي الرياض حدوثه، ويقول الناشط المقيم في الولايات المتحدة إن نسبة 90% من السكان المحليين فروا، وإن هناك ما بين ثلاثة إلى خمسة آلاف لا يزالون داخلها، لافتا إلى أن الأمم المتحدة شجبت في مايو خطط التطوير للمدينة الاثرية، واتهمت الحكومة السعودية بمحاولة تهجير السكان قسرا، دون تقديم بديل جيد للسكن لهم، في عملية تهدد “التراث التاريخي والثقافي للبلدة، وتسبب ضررا لا يمكن إصلاحه”.
وتختم “إندبندنت” تقريرها بالقول إن العالم لا يزال غير مدرك للمشكلات التي تأكل شرق السعودية.