فجأةً تحولت الانظار من سوريا الى الخليج والى احتمال نشوب حرب جديدة بين حكام الدول العربية في المنطقة وقطر الصغيرة واتهامها بمساندة الارهاب. بقدرة قادر استيقظ ريتشارد كلارك، رئيس لجنة مكافحة الارهاب سابقاً، ليؤكد في صحيفة ديلي نيوز الامريكية في 9/7/2017 على (( ان قطر متورطة وتتحمل جانب كبير من مسؤولية هجمات 11 سبتمبر/ ايلول في نيويورك وغيرها من الهجمات الارهابية الكبرى …
والحقيقة واضحة ان قطر وفرت فعلياً ملاذاً لقادة وجماعات ارهابية وهذا الامر ليس جديد بل هو مستمر منذ 20 عاماً. )) ثم اضاف: (( ان احد من قدمت لهم الدوحة الحماية هو العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر خالد شيخ محمد)) الموقوف حالياً في غوانتنامو. ( للتفاصيل راجع رأي اليوم الغراء في 9/7/2017. )
لكن المعادين لقطر ايدوا الارهابيين في سوريا باسلوب لا يختلف عنها. فما زال قادة المعادين لبشار الاسد يعيشون في المملكة العربية السعودية وينتقلون منها الى جنيف لمجابهة وفد الحكومة السورية. فما هو سبب هذا الخلاف الفجائي؟
في مقالة سابقة في رأي اليوم اشرت الى وجود خمسة اسباب رئيسية لنشوب الحرب في سوريا وهي: 1 – العمل على تبديل الحكومة باخرى تعترف باسرائيل دون المطالبة بهضبة الجولان. 2 – طرد روسيا من قاعدة طرطوس. 3 – عزل ايران عن سوريا. 4 – ايقاف مساعدة حزب الله اللبناني المعادي لاسرائيل. 5 – والاهم السماح لمد انبوب، عبر سوريا، لنقل الغاز القطري الى تركيا او الى المتوسط وثم الى اوروبا.
الواضح أن الحرب في سوريا منذ 2011 تعقدت بعد ان تبين صعوبة تحقيق كل اهدافها. فسنوات الحرب لم تسقط بشار وان سوريا مهدمة ولا تكوّن خطراً على اسرائيل، ولروسيا الان قاعدتان، بدل قاعدة واحدة، في طرطوس واخرى في الحميمم وهما مجهزتان بصواريخ اس 300 واحدث انواع طائرات سوخوي. بدل عزل ايران هناك الآن الاف الايرانيين الذين يحاربون لا داعش وحدها بل كافة المحاربين الموالين لامريكا وللخليج. لقد تمكن هؤلاء ومعهم حزب الله من تحقيق النصر في حلب وحمص وتدمر بل معظم سوريا واصبح الارهابيون عاجزين عن الاستمرار في الحرب ضد الحكومة وعاد حوالي نصف مليون من اللاجئين السوريين الى مدنهم وقراهم.
ولكن ماذا عن انبوب الغاز القطري؟ تشير الانباء الى أن القطريين قد اعادوا النظر في مصيره ، عن طريق الاتفاق مع ايران لمد الانبوب عبرها الى تركيا ومنها الى اوروبا. وهذا هو سر تعاون تركيا مع ايران للدفاع عن قطر! كتب وليام اينغداهل الامريكي، المختص بشؤون البترول والجغرافيا السياسية، في مجلة نيو ايسترن آوت لوك يقول (( لا علاقة للخلاف في الخليج بالارهاب بل له كل العلاقة بمن سيسيطر على اكبر حقل للغاز في العالم و من الذي سيهيمن على تسويقه في العالم … اذن اننا الآن في فجر حروب الغاز الطبيعي.))
ذهب سيمون هندرسون الباحث المتخصص في الشؤون الخليجية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى ابعد من وليام اينغداهل. ففي مقالة نشرها هندرسون في مجلة “فورن بوليسي” الامريكية توقع فيها اندلاع حرب إقليمية كبرى على أرضية الازمة القطرية بضخامة الحرب العالمية الأولى، كما جاء في رأي اليوم في 10/7/2017.
يؤكد الكاتب اينغداهل على ان (( المتأمرين)) الامريكان يهتمون بهذه الحرب اكثر من غيرهم .. و ان سفرة الرئيس ترامب، الاولى بعد انتخابه، الى الرياض وتل ابيب وعمله على انشاء ((الناتو العربي السني)) لمحاربة ((ايران الارهابية)) كانت لاشعال جبهة جديدة للحرب الامريكية، حول الغاز هذه المرة. فامريكا الآن لا تواجه روسيا وحدها في المنطقة بل انها تعمل ايضاً لمحاربة ايران وقطر. لأن أمير قطر ارتكب خطأً فاحشاً حين دخل في مكالمة براغماتية مع طهران للاتفاق على شراكتيهما في مد انبوب ينقل غاز البلدين الى الغرب عبر ايران و تركيا. اذن تحول الاميرالى نصير للارهاب ويستحق العقاب! هناك ايضاً اشارات الى مخالفة حكومة قطر المعتقدات الوهابية والى انهاء مساندتها للارهابيين في سوريا. فجن جنون واشنطن والرياض وتل ابيب واشتد هجومهم ضد قطر، بينما ذهب وزير الدفاع الامريكي، ماتيس ( الملقب بـ (( الكلب المجنون)) بعد ان قاد، سنة 2004، اول حملة شرسة ضد مدينة الفلوجة العراقية) لوصف ايران بـ ((الراعي الاكبر للارهاب في العالم.)) ليست هناك في كل هذا اشارة واحدة لصرف السعودية 100 مليار دولار على تدريب وتجهيز الارهابيين المسلمين، لا في سوريا وحدها، بل قبلها في حروب افغانستان والصين (في مقاطعة سينجيان الاسلامية) والبوسنة والهرسك وكوسوفو، ثم العمل على سوق العديد منهم للقتال في سوريا والعراق.
هكذا تحولت الازمة من سوريا الى الخليج، فاسرعت ايران لتجهيز قطر، شريكتها الجديدة، بالغذاء لكسر الحصار المفروض عليها. ولهذا ايضاً عززت تركيا قاعدتها العسكرية في قطر والتقى وزير الخارجية القطري مع لافروف في موسكو وارسلت الصين اسطولها الحربي للمواني الايرانية للقيام بمناورات حربية في مضيق هرمز.
ما يزيد الطين بلة هو أن الرأسمالية الغربية، وخاصة امريكا، مصابة بانتكاسة اقتصادية عميقة منذ ازمة العقارات في 2008 . لقد تعقدت هذه الأزمة بعد تشكيل منظمة بريكس ( من قبل روسيا والصين والهند والبرازيل وافريقيا الجنوبية) واخذت الدول المشتركة فيها التبادل فيما بينها بالعملة المحلية بدل الدولار. وفي سنة 2015 وصلت قباحة قطر حد القيام ببيع الغاز الى الصين لا بالدولار بل بالعملة الصينية (يوان)، في حين ترفض ايران الدولار كلياً كعملة للتبادل. كل هذا قلل من اهمية امريكا كدولة عظمى، تلك التي كانت تخدع تجار العالم بالورق الملون بدل الذهب.
لكن امريكا ترفض ان تفقد هيبتها بهذا الشكل وهي التي تملك ارقى ترسانة من القنابل الذرية التي استخدمت اثنتين منها في هيروشيما لقتل 78 الفاً من اليابانيين وثم في ناغازاكي لقتل 25 الفاً.
في حرب الكويت سنة 1991 قامت القوات الانجلو امريكية بمجموعة من الجرائم البشعة كقصف محطات الكهرباء والمواني والمطارات والجسور ومصافي النفط بالقنابل المغطاة باليورانيوم وحرق 520 انسان في ملجأ العامرية. ثم اعلن الجنرال شوارزكوف عن ابادة 41 فرقة عراقية أي حوالي 280 الف عسكري. هذا عدا حرب الكونترا في نيكاراغوا ثم الصومال وهاييتي وغرينادا والبوسنة وكوسوفو وتفتيت يوغسلافيا واحتلال العراق، منذ 2003 وحتى الآن وتفتيته وقتل مليون انسان واستخدام اليورانيوم المخصب.. والى ” الربيع العربي” لذبح الالوف في سوريا وليبيا واليمن. ما عدا الانقلابات في شيلي وكونغو واندونيسيا. فالحرب التي قضت على الهنود الحمر بعد اكتشاف امريكا مازالت مستمرة بعية الاثبات على عظمة اليانكي.
فانتقال الازمة من سوريا الى الخليج هو استمرار للسياسة الامريكية. انها لا تحتاج الى ارسال تيلرسون للتفاوض مع قطر لأن قطر محتلة اصلاً ويمكن ازاحة الحكومة فيها بسهولة. الا ان امريكا لا تحب البساطة، لأنها غيرمربحة، بل تنوي تضخيم القضية وتعميق الازمة لتنتهي بحرب شاملة، بضخامة الحرب العالمية الاولى، كما يتوقع سيمون اندرسون وهو المختص بشؤون الخليج كما ورد اعلاه. انها تحتاج حرباً تشمل وتدمر لا قطر بمفردها بل السعودية وكل الخليج، بل ايران وتركيا ايضاً ، بغية انقاذ الاقتصاد الامريكي من الازمة وكسب البلايين لا عن طريق السيطرة على غاز الخليج او لبيع اسلحتها الى المتحاربين فحسب بل باعادة بناء المنطقة كلها من جديد.