كيف لشعب كالشعب اليمني شبه المنسي عربيا ودوليا أن ينتظر من الغرب والشرق مكرمة الإلتفات لما يجري فيه والعمل بإخلاص لإيجاد إنعطافة حقيقية للأزمة تُنهي الإحتراب الداخلي والعداون الخارجي على هذا البلد الصابر، الأصيل الذي خنقه الأشقاء وخذله الأصدقاء وتصارع على أرضه فرقاء المنطقة (الإخوة – الأعداء)..
كيف لليمنيين أن ينتظروا إنفراجة على المدى القريب، فيما فلسطين شُرّد أكثر من نصف أهلها واغتصبت أرضها ودُنّست مقدّساتها منذُ العام (1948) وحتى اليوم ولم ينقذها أحد أو تنتصر لأبسط حق من حقوق الشعب الفلسطني مجتمعات العالم الأول ، التي طالما زايدت وتُزايد باسم حقوق الإنسان وتثبيت الأمن والسلم الدوليين ؟
يبدو أن الإستراتيجية الجديدة لدول الغرب خاصة والشمال عامة،بكل خلافاتها، تتلخص في أبهى تجلياتها بقيامهم بفتح بؤر للصراع في العالم العربي ومنطقة ما يسمونه بـ الشرق الأوسط ،ومن ثم غض الطرف عما يجري فيها من مآسي، والنأي بأنفسهم عمّاستؤل إليه الصراعات، أياكانت نتائجها ،سيما وأنها تضمن لإسرائيل طفلتهم المدللة مصالحها وتفوقها وهيمنتها على العرب، وما حدث ويحدث منذُ نكبة (الربيع) التي فتحت بوابات الجحيم على شعوب المنطقة وفرّخت الفوضى والإرهاب واسقطت مشروع الدولة العربية وحلّت محلّها الطائفية وداعش والنصرة والدولة الإسلامية ولوحقها ، خير دليل على هذه الإستراتيجية.
وإليكم المزيد من الأمثلة المعاشة والمعززة بوثائق الغرب نفسه،ومنها مايتعلق تحديدا بإسقاط الدولة الليبية ،والجميع عرف تقريبا أبعاد وخفايا ذلك التآمر الذي قادته فرنسا( ساركوزي) ودوافعه التي تأتي في سياق تنفيذ مشروع ” الشرق الأوسط الكبير”
والفوضى الخلاقة التي سبق وأن بشّرت بها وزيرة الخارجية الأميركية ومستشارة الأمن القومي السابقة في عهد بوش الابن “ كوندليزا رايس″.
وفي هذه الجزئية تحديدا نعتقدُ أن كاتبنا العربي الكبير/ الأستاذ عبدالباري عطوان قد أدهشنا وادمى قلوبنا في وقت واحد ، بمقال
هام سلط الضوء من خلاله على الدور الفرنسي التدميري القذر في ليبيا، وحقيقة ما حدث في العام 2011 وأسبابه وماهية التقارير الاستخباراتية الفرنسية التي عجلت بالتدخل الفرنسي ، وتحديدا المتعلق منها بحجم الإحيتياطيات الليبية من الذهب والفضة ووجود خطة ودراسة ليبيتين لصك عملة أفريقية موحدة تحل محل الفرنك والتواجد الفرنسي القوي في القارة الأفريقية .
ثم نأتي بعد إندلاع شرارة ( الربيع العربي) لنتفقد ما اصاب قضايانا الكبرى الأخرى، وعلى رأسها قضية العرب المركزية الأولى ( القضية الفلسطينية) التي وضعها ( الربيع) في ثلاجة الموتى / الأحيا، وفي آخر سطر من أولويات بعض العرب، وليت الأمر توقف عند هذا ، بل أن حالة التردي بلغت ببعضنا إلى القيام بمساعي حقيقية ومعلنة لقيام دول عربية سُنية بترتيب التطبيع مع إسرائيل وإقامة ناتو جديد معها على حساب فلسطين، بل وعلى حسابنا الوجودي إن صح لنا القول .
أما اليمن ، أول بلد عربي ، حاول أن يزيح البراميل الحدودية التي تفصل بين البلاد العربية ، فقد دفع هو الآخر ثمن مشروع ( الربيع ) غاليا على حساب وحدته وتعاييشه.
وليس بعيد، أيضا، الدولة السورية بوابة العروبة الكبرى وحصنها المنيع التي تهاوت بفعل قذائف مدافع ( خريف الثورات) التدميرية ،وقبلها الدولة العراقية التي مثّلت رافدا كبيرا للتضامن العربي وللكرامة العربية المهدورة .
وأخيرا وليس بآخر،هاهو الإعصار وصل إلى المنظومة الخليجية التي كانت في نظر الكثيرين تبدو أكثر تماسكا بفعل الثروة المالية الهائلة،إلى جانب ما يعتبره بعض الخليجيين بـ التجانس القائم بينهم الذي كان من ضمن مقومات إنشاء مجلس التعاون الخليجي في العام 1981،ضف إلى ذلك الهدف الإستراتيجي الذي انشىء من أجله،والمتمثل، كما هو معروف ومعلن من حينها بـ مواجهة مد ثورة الخميني التي قامت في إيران في العام (1979) ، غير أن كل تلك المقومات والمميزات التي كان يعتقد البعض بأنها تُعتبر حصانة تصب في مصلحة إستمرارية المنظومة الخليجية سريعا ما تلاشت بعد الأزمة الأخيرة التي أندلعت بين ( السعودية – الإمارات ، البحرين – مصر ) من جهة ، وقطر من جهة ثانية .
الخلاصة:
في تقديرنا أن شيئا لن يقف في طريق هذا التفكك الحاصل في منظومة القيم والثوابت العربية،ولن يصمد في وجه هذا الإعصارالمدروس الذي يُقدّر له بأنه سيصل إلى بقية أجزاء البيت العربي من المحيط الخائب إلى الخليج الخاسر، سيما وأن أحدا لا يُريد أن يستيقظ مرة أخرى على طول وعرض هذه الجغرافيا المحاصرة بالأساطير والفساد والرجعية ومشاريع الإحباط والتآمر على بعضها البعض.
وأي محاولات إنقاذ لتدارك هذا الوضع الأخطر عبر تاريخ العرب الحديث لمنع خزّانات الكوارث من الإنفجار، فإنها تطلب أفكارا وثقافة جديدين ،وهذان العنصران، حتى اللحظة على الأقل، غير متوافرين وليس بمقدورمعظم المثقفين والمفكرين والسياسيين
العرب إنتاجهما أوصناعتهما، لكن لن نكون متشائمين أكثر من اللازم، لا يوجد شيء في هذا السياق مستحيلا، شريطة توافرالنوايا الصادقة والإرادات الصلبة والإنتماء الحقيقي .