لم يتوقع أحد ممن عرفوا الأمير السعودي محمد بن نايف وزير الداخلية السعودي الأسبق المعروف بصلابته والأمير الذي وصفه الرئيس سعد الحريري بـ«السفاح» لرباطة جأشه في ويكيليكس المحكمة الدولية أن يسلّم ما يُعتبر «حق» قانوني أو شرعي له إلى الأمير الشاب محمد بن سلمان تسليم اليد ولهذا السبب بدأت المعلومات عن أجواء من الضغوط الأميركية على بن نايف تحيط بأفق كواليس العائلة. فبن نايف وقع ضمن ضغط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي استطاع محمد بن سلمان كسب ودّه بوعود وعهود باغت فيها بن نايف أثناء زيارته إياه الى واشنطن في 14 آذار الماضي في وقت وصفت الزيارة تلك بالغامضة.
زيارة وزير الدفاع حينها محمد بن سلمان «الاستباقية» أسست لما هو عليه اليوم، واستطاع إقناع الرئيس ترامب الذي كانت العائلة المالكة في الرياض تتهيّب من إمكانية فوزه بالرئاسة وتدعم الوزيرة هيلاري كلينتون للوصول للبيت الأبيض أنها الشخص المناسب لبناء علاقة تؤسس معها لسنوات من التعاون والتكامل. زيارة بن سلمان الى الولايات المتحدة الأميركية كان قد سبقتها سلسلة لقاءات عقدها خلال الأسابيع الماضية من إقلاع طائرته في الرياض رسمت دلائل وإشارات عن أهداف زيارته إلى واشنطن. فقد اجتمع في 21 شباط الماضي مع عضو مجلس الشيوخ الأميركي المتطرف السيناتور جون ماكين، ومن ثم مع الرئيس التنفيذي العام لشركة «ريثون « للتصنيع العسكري، والرئيس التنفيذي لـ«سيتي غروب».
استطاع بن سلمان شراء «ولاية العهد» من رجل الأعمال المتحمّس الرئيس دونالد ترامب وذلك عبر تقديم اعتمادات مالية وفرص عمل وصفقة تاريخية بين البلدين قاربت الـ 450 مليار دولار، فما كان على ولي العهد الأسبق «محمد بن نايف» إلا الخضوع لأمر واقع مفاده تبادل مصالح من أعلى المستويات بالنسبة لواشنطن لن يفرط فيها من أجل حسابات عائلية. كل هذا مع وعود سياسية تستسيغها المؤسسة الأميركية على الرغم من اختلافها فيما بينها وصراعاتها الكامنة، وهي ما يتعلق بعداوة مضمونة لإيران قدّمها بن سلمان بكل تطرّف وحدَّة، ما شكل فأل خير للمصالح الأميركية «الإسرائيلية» في المنطقة وتمّت الصفقة.
اللافت أن «إسرائيل» نفسها بدأت تقلق وتبث رسائل القلق لتصل الى مسمع الديوان الملكي وبن سلمان ومن يهمه الأمر، وذلك عبر نشرها وثيقة لمركز أبحاث الأمن القومي» الإسرائيلي» الذي تشرح فيه هواجس المركز في الدراسة من إمكانية فشل الأمير الشاب، خصوصاً بوعوده بخطة عام 2030، مضيفة «إن أوضح مظاهر الفشل في السياسة الخارجية التي اتبعها محمد بن سلمان تجسّدت في التدخل العسكري في اليمن، وأن هذا التدخل وصل إلى طريق مسدود، حيث إن الرياض عاجزة عن تحقيق أي من الأهداف الرئيسة التي وضعتها لنفسها. وأكد المركز أن إطلاق «أنصار الله الحوثيين» وقوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الصواريخ على الأراضي السعودية بات أمراً مألوفاً، مشيرة إلى تصاعد الانتقادات الدولية للإدارة السعودية للحرب في اليمن والتي اقترنت بسقوط عدد كبير من الضحايا جراء القصف العشوائي… السياسة المتشددة التي يتبناها محمد بن سلمان تجاه إيران يمكن أن تمثل تهديداً للسعودية نفسها في حال أدّت إلى مواجهة شاملة بين الجانبين.
تبدو «إسرائيل» شديدة الحذر من أن تكون مسألة تنصيب بن سلمان مجداً باطلاً أو مزيفاً يؤسس لبلبلة داخل الحكم السعودي تخسر معه «إسرائيل» حليفتها الكبرى عربياً، لذلك فهي تتوقع أن يقوم بن سلمان بتطبيع العلاقة مع «إسرائيل» سريعاً قبل فوات الأوان.
الأزمة الخليجية الخليجية سلطت الضوء «إسرائيلياً» على مستقبل بن سلمان بشكل شرح القلق من الحكم الذي يبدو ظاهره حديدياً، نظراً لعمر الشاب القادر على أن يحكم لعقود حسب خبراء «إسرائيليين» وبين الواقع الذي يتفاقم فشلاً تلو الآخر. مركز الأمن القومي «الإسرائيلي» يعتبر أن الأمور زادت تعقيداً بالنسبة للسعودية، لأن الأزمة مع قطر خفضت من قوة التحالفات التي كانت تتمتع بها الرياض، مشيرة إلى أن دولة مثل باكستان، التي تُعدّ من أوثق حلفاء السعودية، باتت تصرّ على موقف «محايد» من الأزمة مع الدوحة.
إمكانية أن تفشل حملة الحصار على قطر التي قادها محمد بن سلمان، بفعل دعم قوى عالمية وإقليمية ووقوفها إلى جانب الدوحة، لا سيما تركيا وإيران، ومشيرة إلى أن مثل هذا الفشل سيمسّ بمكانة ولي العهد السعودي كلها وهواجس حلفاء السعودية ومواقف ممن يفترض أن تتلاقى معهم المملكة على مصالح محددة. وهنا يبدو الأمير محمد بن سلمان امام اختبار عريض امام «الإسرائيليين» والأميركيين وما تبقى من حلفاء شرق أوسطيين وبات استجلاب انتصار او فوز في حدث «ما» ضرورة أو حاجة ماسة من أجل تثبيت حكمه في البلاد، خصوصاً بوجه العائلة غير الراضية على طريقة الانتقال.
بالعودة الى «حيلة» بن نايف التي رافقته لعقود فأن من المرجح أن يكون بانتظار فشل بن سلمان من على أعلى المستويات. فهو يراهن ليس للعودة لليوم مباشرة بل الى خلق بلبلة واسعة داخل الحكم حذّرته واشنطن برسائل غير مباشرة منها مؤخراً.
ولي العهد الجديد امام اختبار ملفات اليمن وقطر وإيران وسورية، وكلها تبدو بالمنظار الأميركي ملفات لا تصب لصالحه حتى اللحظة ما قد يتكفل بزعزعة حلمه الأهم في خلافة والده وحفظ العرش من مكائد «الأقارب» بحال استمرّ بسياسة التصعيد، بدلاً من العودة الى الديبلوماسية البناءة مع القوى الكبرى في المنطقة، ومن بينها روسيا.