الصباح اليمني_مساحة حرة: أ.د. عبدالله أبوالغيث|
في البداية نوضح بأننا لسنا هنا ضد شخص الدكتور فاضل الربيعي كشخصية سياسية وأدبية، لكننا سنتناقش معه عبر هذه المقالة فيما يخص كتاباته التاريخية التي أقحم نفسه فيها، حيث صار يتنقل في الفضائيات ليتحدث عن تاريخ جديد يتعارض مع ما يتم تدريسه من تاريخ منهجي في أقسام التاريخ بمختلف الجامعات العربية والعالمية. فالربيعي قد بدأ حياته كاتباً للقصة القصيرة، ثم انتقل لكتابة الرواية الطويلة، بعدها انتقل لدراسة الأساطير العربية، وانتهى به المطاف ليقحم نفسه (مؤرخاً) انغمس بكتاباته في التاريخ القديم السابق للإسلام، وإن كان كما سنلاحظ في ثنايا المقالة لم يقم بالتخلي عن نهجه الأدبي وصار يكتب التاريخ على شكل القصص والروايات التخيّلية.
وقد تركزت كتاباته وأحاديثه الإعلامية بدرجة أساسية على التاريخ اليمني القديم، رغم أنها تتناول التاريخ القديم لبلدان أخرى مثل الجزيرة العربية والعراق والشام ومصر والحبشة، في إطار نظريته التي تبناها بأن كل القصص التي وردت عن بني إسرائيل في التوراة والنقوش المسمارية لبلاد الرافدين إنما دارت في اليمن. وهو ما جعلني أتولى مهمة الرد عليه فيما يخص التاريخ اليمني، تاركاً الأمر للمؤرخين المتخصصين في تاريخ البلدان الأخرى المشار إليها للرد عليه فيما يخص تاريخ كل بلد. وسأنطلق في ردي عليه كأستاذ (بروفيسور) متخصص في تاريخ اليمن القديم، وأقوم بالبحث فيه وتدريسه منذ ثلاثة عقود ونصف. وسوف أركز حديثي في أربعة جوانب تنبثق من كل جانب عدة نقاط:
الجانب الأول: قوله أن مملكة إسرائيل التوراتية كانت في اليمن:
أولاً: يذكر الربيعي بأن مملكة إسرائيل التوراتية انقسمت إلى شمالية وجنوبية (يهوذا أو اليهودية) وأنها (دون أدنى شك) إنما كانت في اليمن، وأن المملكة الشمالية إنما هي مملكة سبأ اليمنية القديمة، والمملكة الجنوبية هي مملكة حميَر، وكل دليله في ذلك هو الانقسام الذي حصل بين القسمين السبئي والحميري من مملكة سبأ وذي ريدان. ولا أدري إن كان يعلم أو لا يعلم بأن الانقسام الذي يتحدث عنه بين سبأ وحميَر إنما يعود إلى القرون الميلادية الثلاثة الأولى، بينما حملات ممالك بلاد الرافدين التي تمت على مملكة إسرائيل القديمة وتحدثت عن انقسامها إلى مملكتين شمالية وجنوبية تمت خلال القرن السابع قبل الميلاد، أي قبل ظهور حميَر على مسرح الأحداث التاريخية في اليمن القديم بأكثر من خمسة قرون، وكانت سبأ مع دول أخرى هي السائدة في اليمن القديم آنذاك.
ثانيا: التوراة وهي تتحدث عن مملكتي إسرائيل ويهوذا (اليهودية) قد دُوِنت حسب قول الربيعي نفسه في عام 500 قبل الميلاد، فكيف تسنى لها الحديث عن الانقسام السبئي الحميري الذي تم بعد ذلك التاريخ بكثير، وتحديداً في مطلع العصور الميلادية، وهي الحجة نفسها التي يرفض بها الربيعي ذكر التوراة لمدينة القدس التي يقول بأنها قد أسست بعد تدوين التوراة ولذلك من العبث حسب قوله نسبة الحديث عنها للتوراة، لكن الربيعي مع الأسف ينسى تلك الحجج عندما تقف أمام استنتاجاته التعسفية ولا يتذكرها إلا عندما تكون في صالحه.
ثالثاً: يجزم الربيعي بأن سبأ وحمير تنتسبان إلى عابر وهو ما يدل لديه على أنهم هم العبرانيون، ويذهب للقول من أجل تأكيد كلامه بأن ذلك الانتساب السبئي الحميري إلى عابر قد ورد في آلاف النقوش السبئية! ونحن هنا على طريقته في التحدي عند طرح أفكاره نتحداه أن يدلنا حتى على نقش واحد ذكر ذلك الانتساب من بين آلاف النقوش التي تحدث عنها، فهو هنا يهرف بما لا يعرف. أما كتب الأنساب فهي قد خلطت الحابل بالنابل، وأصبحت لديها أسماء القبائل والدول أسماء لأشخاص جعلتهم أجداداً في الأنساب التي تحدثت عنها، وكل منها صنع له أنساباً تختلف عن غيره، حتى قالت الحكمة العربية بأن (الأنساب في أحسن أحوالها توفيقة، وفي أسوئها تلفيقية)، وبالتالي هي مصدر غير موثوق لدى المؤرخين المنهجيين.. والربيعي ليس منهم بطبيعة الحال فهو من (المؤرخين) الهواة.
رابعاً: يذكر الربيعي (جازماً) بأن عشرات النقوش السبئية التي تعود للفترة الزمنية الواقعة بين منتصف القرن التاسع ومنتصف القرن الخامس قبل الميلاد تذكر منطقة يهوذا، وأنها تقصد بها منطقة تعز الواقعة جنوب غرب اليمن. وللمرة الثانية نتحداه أن يعطينا حتى نقشاً واحداً من عشرات النقوش المسندية التي ذكر أنها تذكر يهوذا وتعود إلى المدة الزمنية التي حددها.
خامساً: لكي يثبت الربيعي بأن مملكتي إسرائيل ويهوذا كانتا في اليمن يذهب للقول بأن الحملات الآشورية والكلدانية التي حدثت ضد المملكتين في القرن السابع قبل الميلاد إنما انطلقت صوب اليمن وليس إلى بلاد الشام. مع أن كل المصادر التاريخية تؤكد أن أقصى نقطة وصلت إليها دول بلاد الرافدين القديمة في جزيرة العرب كانت هي مدينة يتربو (يثرب)، ولكي يثبت رأيه المتهافت الذي يتعارض مع كل المصادر لا يجد ما يستدل به إلا وجود قرية في مديرية حالمين بمحافظة لحج اليمنية اسمها شافان، وبالتالي فهي لديه (ومن دون أدنى شك) تحمل اسم القائد شافان الذي عينه الملك الكلداني نبوخذ نصر على اليهود بعد انتصاره على مملكة يهوذا في بلاد تعز والمناطق المجاورة لها.. وما أكثر ما يسوق لنا مثل تلك (الأدلة) العجيبة والغريبة كما سيتضح لنا لاحقاً!
سادساً: لأن اسم مصر التي تم ذكرها في الحملات الآشورية والكلدانية على بلاد الشام؛ بل ووصول الملك الآشوري أسرحدون إلى مصر نفسها، أقول لأن اسم مصر يقف عائقا أمام تصميمه العجيب على أن تلك الحملات إنما توجهت إلى اليمن، فهو يذهب للقول بأن المقصود بمصر في نقوش ممالك بلاد الرافدين إنما هي مدينة معين مصران، ويذكر عنها أنها قامت في جوف اليمن، ويفعل ذلك ربما رغم علمه بأن المقصود بمعين مصران إنما هي مدينة العُلا الحالية الواقعة شمال الحجاز، وكانت تتبع دولة معين في جوف اليمن، وأطلق عليها تسمية معين مصران بمعنى معين التي في اتجاه مصر، نظراً لأنها مثلت الوسيط التجاري بين اليمن ومصر في حينه، علماً بأن وجودها يعود إلى الفترة الزمنية الممتدة بين القرنين الرابع والثاني قبل الميلاد على أرجح الآراء، أي بعد سقوط الدولة الآشورية بأكثر من قرنين والدولة الكلدانية بأكثر من قرن، فكيف كانت هي المقصودة بمصر في حملات الدولتين؟!
سابعاً: يذكر من أجل تسويق رأيه السابق بأن مصر المعروفة حالياً لم تعرف باسم مصر مطلقاً خلال تلك الفترة، ولأن رأيه ذاك يصطدم بالنص القرآني في سورة يوسف (99) الذي يقول على لسان نبي الله يوسف (ادْخُلُوا مِصْرَ إن شَاءَ اللهُ آمِنِين)، ويوسف يعود عهده على أرجح الآراء إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد، أي قبل الحملات الآشورية والكلدانية على بلاد الشام بأكثر من ألف عام، فهو يذهب للقول بأن المقصود بها معين مصران السالفة الذكر وليس مصر المعروفة حالياً، ويقدم تفسيراً مضحكاً لمعنى الهبوط يعطيه معنى الصعود، بقوله: “فإن من يريد مصر لا يهبط إليها فهي بلاد سهلية، بينما يتعين على من يريد دخول معين مصران اليمنية الجبلية أن يهبط إليها بالفعل”! فإذا أضفنا إليه ما سبق ذكره بأن معين مصران بل والدولة المعينية برمتها لم يكن لها أي وجود في عهد نبي الله يوسف وإنما نشأت بعد ذلك بمدة طويلة حسب النقوش التي نملكها سندرك حجم العبث ولي عنق الحقائق التاريخية الذي يمارسه الربيعي لتسويق رؤاه المتهافتة في صناعة تاريخ جديد لم يسبقه إليه مؤرخ آخر!.. وهو ما يوضح لنا بجلاء الفرق بين المؤرخ المنهجي الذي يوثق الأحداث بحثاً عن الحقيقة التاريخية، و(المؤرخ) الهاوي الذي يلفق الأحداث بحثاً عن الإثارة والأضواء أو لشيء في نفس يعقوب.
ثامناً: لأن ورود مسميات شعوب وقبائل تقع في بلاد الشام في النقوش المسمارية التي تتحدث عن حملات آشورية وكلدانية توجهت صوب بلاد الشام بما فيها المناطق اليهودية فهو لا يتحرج من القول دون أن يرمش له جفن بأن بني عمون والآراميون والكنعانيون كانت مجرد جماعات سكانية تعيش في اليمن في كنف مملكة سبأ وحمير، بل ويذهب ليقول حرفياً أنه “لا يوجد شعب اسمه كنعان وأن هذه أكذوبة”، وهو ما يناقض كل التاريخ الموثق من خلال المصادر القديمة عن تاريخ بلاد الشام القديم، إلى جانب ما سبق ذكره بأن تاريخ هذه الشعوب هو سابق بكثير لزمن تكون المملكة السبئية الحميرية التي يتحدث عنها، ويقصد بها دولة سبأ وذي ريدان في القرون الثلاثة الميلادية الأولى كما ذكرنا.. وبعد ذلك لن يتحرج من القول انه يدافع عن فلسطين ضد المخطط اليهودي وهو ينفي تاريخ شعب كنعان العربي السامي بالكامل الذي كان أول من يصنع تاريخاً على أرض فلسطين!
الجانب الثاني: قوله أن يبوس وأورشليم والقدس كلها في اليمن:
أولاً: اعتماداً على منهج الربيعي في (تأليف) تاريخ وهمي يعتمد على تشابه أسماء الأماكن والجماعات السكانية، فمدينة يبوس هي بالنسبة له قرية تقع في ضواحي مدينة صنعاء تسمى بيت بوس، فقط لتشابه الاسمين وليس لوجود أدلة تاريخية موثقة، علماً بأنه لا يوجد حتى الآن ما يدل على أن قرية بيت بوس اليمنية كانت من المناطق الأثرية ذات الارتباط بتاريخ اليمن السابق للإسلام رغم وجودها في منطقة صنعاء ذات البعد التاريخي القديم. ولأن المصادر تذكر بأن مدينة يبوس (القدس) الفلسطينية كان يطل عليها جبل الصُعود الذي هو جزء من جبل الزيتون، فلا مانع لدى الربيعي أن تصبح مدينة صعدة الواقعة في أقصى شمال اليمن هي جبل الصعود، حتى إن كانت تبعد عن قرية بيت بوس (يبوس لدى الربيعي) بأكثر من 200 كم، فكله في عُرف الربيعي يجوز ما دام الاسمان هنا وهناك يشتركان في بعض الحروف!
ثانياً: مديرية شرعب السلام الواقعة شمال محافظة تعز اليمنية هي لدى الربيعي “من بقايا اسم أورشليم”، ولا يعرف المسكين بأن إضافة مسمى السلام لشرعب يعود لسبعينات القرن العشرين الميلادي وليس اسماً قديما، حيث قامت سلطات دولة اليمن الشمالي آنذاك بتجميع العديد من المناطق التي كثرت فيها التمردات على الدولة بتحريض من الجبهة الوطنية الديمقراطية آنذاك في مديرية شرعب ومديرية التعزية في محافظة تعز ومديرية العدين في محافظة إب وجمعتها في مديرية واحدة أسمتها مديرية السلام تيمناً بتحقيق السلام فيها، ولأن نصف هذه المديرية كان ينتمي لمديرية شرعب فقد غلبت عليها بعد ذلك تسمية شرعب السلام، وصارت مديرية شرعب نتيجة لذلك تسمى مديرية شرعب الرونة نسبة لمركزها. وبعد هذا التوضيح الذي يؤكد بأنه لا علاقة لمسمى السلام في شرعب بمسمى شليم (شالوم/السلام) في أورشليم سيتحتم على الربيعي أن يقول لنا ما علاقة أور الواردة في تسمية أورشليم بشرعب؟!
ثالثاً: حسب الربيعي بأنه لا وجود لتسمية القدس الفلسطينية في التاريخ القديم وأنها تسمية عربية إسلامية، فكل ما يشير إلى القدس أو قدش في نقوش ممالك بلاد الرافدين وفي التوراة إنما يتحدث عن عُزلة قَدَس الواقعة في مديرية سامع محافظة تعز. ولا يتورع من أجل ذلك أن يسمي قرى عزلة قدس بجبل قَدَس لتتوافق مع مسمى جبل قدش المشار إليه، ولأن المصادر المسمارية والتوراتية تتحدث عن منطقة مُقَدَسة فهو لا يتحرج كعادته أن يقدم نفسه بحراً لعلوم النقوش اليمنية القديمة، حيث يحدثنا بأن “مئات النقوش المسندية اليمنية ذكرت بأن جبل قَدَس في تعز كان جبلاً مقدساً”. ورغم أن عزلة قَدَس التي يشير إليها كانت ضمن بلاد المعافر التي أشارت النقوش المسندية إليها وإلى تاريخها القديم؛ لكن لم يرد ذكر قدس حتى الآن في أي نقش مسندي من النقوش التي تم اكتشافها، فما بالك بقداستها.. وما ذكره الربيعي موجود فقط في النقوش التي يتخيلها بأحلام يقظته عندما يحدثنا عن عشرات ومئات وآلاف النقوش التي تثبت ما يذهب إليه من تلفيقات يعرف تماماً أنه لا وجود لها، ولذلك فهو لا يسمى بعض تلك النقوش كأمثلة تؤكد كلامه؛ ذلك طبعاً إن كان يفهم التسميات العلمية المعتمدة لدى المؤرخين المتخصصين للنقوش المسندية.
رابعاً: ولأن جبل قدش في بلاد الشام وصف بأنه (قدش برنع) فمديرية جبل بُرع الواقعة في محافظة الحديدة اليمنية ستصبح وفقاً لمنهج الربيعي المتعسف هي برنع، حتى إن كانت تبعد عن قَدَس في محافظة تعز بحوالي 150 كم. ولكي يبدو عالما بالنقوش المسندية القديمة وليوافق بين بُرع وبرنع فهو يذكر أن النقوش اليمنية القديمة كانت تضيف النون إلى الأسماء، وذلك طبعاً من جهله بلغة النقوش اليمنية القديمة التي كانت تضيف نون في آخر الاسم كأداة تعريف، أما عندما ترد النون في وسط الاسم فهي جزء منه، لكن وعلشان خاطر الربيعي (علّامة عصره وفريد زمانه) كما يعتقد فلا مانع أن تصبح كل البرانع بُرع!
خامسا: ومن يعرف الجغرافية اليمنية سيدرك المسافات الشاسعة بين مسميات الأماكن التي افترضها الربيعي مسميات ليبوس وأورشليم والقدس، حتى أن المسافة بين ريف قَدَس في محافظة تعز ومدينة صعدة عاصمة محافظة صعدة يصل أكثر من 500 كم، فقد ذهب الربيعي يعالج كل كذبة بأخرى، لذلك فيبوس وأورشليم والقدس ليست لديه مسميات لمدينة واحدة كما يقول علماء التاريخ القديم، لكنها مدن مختلفة لا يربط بينها رابط، ذلك طبعاً ما لم يتضح للربيعي وجود مسميات أخرى جديدة مشابهة يمكن أن يقدمها بديلاً للمسميات القديمة التي طرحها وتخرجه من تلك الورطة التي وقع فيها.
الجانب الثالث: منهج الربيعي المتعسف بتلفيق تاريخ اعتماداً على تشابه المسميات:
أولا: مما سبق يتضح بأن منهج الربيعي لقلب الحقائق التاريخية السائدة يعتمد بدرجة أساسية على تشابه المسميات، وهو ما أوضحنا بعضه في الأعلى، ويمكن أن نضيف إليه قوله بأن مملكة مدون الإسرائيلية أنما هي مَقْوَلة مأذن في اليمن، فقط لتشابه بعض الحروف في الاسمين. وقوله أن منطقة حَضور اليمنية إنما هي مملكة حصور التوراتية، وأن الذي حدث فقط إبدال التوراة حرف الضاد بالصاد، ولأن التوراة قالت بأن “حصور كانت على رأس كل الممالك”، فهو سرعان ما يؤلف كلاماً لا يذكر مصدره بأن مخلاف حضور اليمني كان أهم وأكبر المخاليف الشمالية في اليمن.
ثانيا: تحريفه لاسم المُكَرِب السبئي كرب إيل وتر بن ذمار علي الذي حكم في مطلع القرن السابع قبل الميلاد، وجعله (كرب إيل وتر بن ذمار سمع علي) حيث يحشر اسم سمه علي في اسم المكرب رغم عدم وجوده في النقوش، بل ويحول الهاء في الاسم السبئي سمه علي إلى عين ويصبح (سمع علي) فقط ليبني على كل تلك التحريفات نتيجة وهمية من نتائجه، ليصبح اسم المكرب السبئي لديه (إسماعيلي)!
ثالثاً: يهود الفلاشا في أثيوبيا هم لديه (دون شك) من اليمن، وأصل اسمهم الفلاسا (بالسين) لأن هناك منطقة في محافظة تعز اسمها المفاليس هي التي هاجروا منها، وبالتالي هي أصل يهود الفلاشا، ولا ينسى أن يذكر لنا بأن الفلاشا كانوا يعبدون إلههم الفلس في المفاليس التي نسبت لذلك المعبود دون أن يذكر لنا مصدره غير تشابه المسميات حسب منهجه المعتمد، بينما المعروف أن صنم الفلس حسبما تذكر المصادر العربية كان يعبد قبل الإسلام في قبيلة طيء بمنطقة شمال الجزيرة العربية.
رابعاً: الديانة الصابئية (المنداعية) في العراق هي ديانة يمنية قديمة في نظر الربيعي كونها تحمل بعض المعتقدات العبرانية، فالصابئية لديه هي تحريف للسبئية، لأن الصاد والسين عند اليمنيين حرف واحد حسب قوله، وهو كلام غير صحيح فأبجدية المسند تعرف الحرفين وكل منهما حرف مستقل بذاته. ويضيف قائلاً بأن الاسم الآخر للديانة الصابئية وهو المنداعية يؤكد يمنيتها لأن اليمنيين لديهم اللحم المندي الذي نسبت إليه الديانة المنداعية!. وقياساً على هذا المنهج (السقيم) في الاستنتاج يمكننا أن ننسب كثير من مناطق العالم إلى بلدان عربية نسبة لمأكولات شهيرة لديها: فالشيشان من مصر لأن لديهم الفطير المشلتت. وجزيرة جرينلاند من سوريا لأن لديهم أكلة المُجَدَرة، والمكسيك مغاربية لأن لديهم وجبة الكسكس. وهكذا يمكن أن يصبح كل العالم منسوباً إلى منطقتنا العربية اعتماداً على الوجبات المشهورة في أقطارنا المختلفة!
خامسا: وقياساً على ذلك يمكن أن نصنع تاريخاً عالمياً (جديد لانج) وننافس الربيعي في ابتكاراته التاريخية: فدولة الصين نسبة إلى حي صينة في مدينة تعز، ودولة كندا نسبة إلى قرية كِندة في شرعب تعز. ودولة السويد نسبة لمديرية السواد في محافظة عمران اليمنية، ودولة روسيا نسبة إلى مديرية بلاد الروس في ريف صنعاء. بل وعلى غرار من ساروا على نهج الربيعي وقالوا بأن أوروبا هي تحريفاً للعروبة، وشكسبير إنما هو الشيخ زبير (العربي). بحيث تصبح أسماء كل دول العالم عربية خالصة، فأمريكا هي (أُم ريكا)، واليابان نسبة لنبات البان العربي، وبريطانيا تحريف للقول العربي (بُر الطين) بمعنى قمح الأرض، وفرنسا هي نسبة إلى (فرناس العربي)، والبرازيل اسمها دمج للعبارة العربية (بُراز الأيل).. ولكم أن تتخيلوا حجم التاريخ الذي يمكن أن نصنعه ونؤلفه اعتماداً على هذا المنهج (العليل)!
سادساً: رغم أن الربيعي يسير على نفس منهج كمال الصليبي الذي قال بأن قصص التوراة إنما دارت في بلاد عسير (جنوب السعودية في الوقت الحاضر) اعتماداً على تشابه بعض المسميات هناك مع المسميات التوراتية، والفارق بينهما أن الربيعي جعل قصص التوراة تدور شمال اليمن ووسطها، ومع ذلك نجد الربيعي ينفي استخدامه لمنهج الصليبي ويقول أن الصليبي “اعتمد على لعبة المطابقة اللغوية ذات الطابع التعسفي”. ويبدو بأن الربيعي لا يدرك بأنه استخدم نفس المنهج التعسفي بشكل يفوق ما فعله الصليبي، أو أنه يدرك ذلك تماماً لكنه لا يريد الاعتراف بذلك لأن إثبات صحة نتائج إحداهما تعني نفي نتيجة الآخر، فكل منهما تحدث عن مسميات في منطقة مختلفة ليطابقها مع المسميات التوراتية.. ومن يدري فقد يأتي في المستقبل من يجعل الجغرافية التوراتية في عُمان لوجود مدينة صُور فيها التي ستحل بدلاً عن مدينة صور اللبنانية الواردة في المصادر المسمارية والتوراتية. ورابع سيجعلها على سواحل الخليج العربي في منطقة الأحساء لأن مدينة الجُبيل هناك هي المقصودة وليست مدينة جُبيل اللبنانية، وتلك نتيجة متوقعه لمثل ذلك المنهج التعسفي لتدوين التاريخ.
الجانب الرابع: ماذا يريد الربيعي؟
أولاً: نحب أن ننبه بأننا لا نريد محاكمة نوايا الربيعي أو غيره، فليس ذلك من عادتنا ولا منهجنا، لكننا تناولنا بعض ما يطرحه بالتحليل المقارن، ونترك للقارئ تفحص قوله وقولنا ليستنتج بنفسه ما يراه صحيحاً، علماً أني كنت قد أبديت استعدادي لمناظرة الدكتور الربيعي في أي قناة ناطقة بالعربية، بحيث نتقارع الحجة بالحجة وعلى الهواء مباشرة، لأن ما يقوله الربيعي حتى الآن يتم ترويجه عبر مقابلات انفرادية تتم في قنوات مختلفة، بحيث يترك له قول ما يريد وكأنها مسلمات لا تقبل الشك، خصوصاً أن محاوريه من المذيعين لا يعون التاريخ الذي يتحدث عنه، بل ويندهشون إزاء ما يقول، ما يوحي للمشاهد وكأن الرجل قد أتى باكتشاف جديد ومذهل لا يقبل الشك، خصوصاً وهو لا يتورع عن نسبة كثير من أقواله إلى نقوش قديمة لا وجود لها في أرض الواقع كما ذكرنا أعلاه. وإذا رفض الربيعي المناظرة معي أو مع غيري لا أقل من أن نطالب وسائل الإعلام العربية أن تفتح مجالها للمؤرخين المنهجيين المتخصصين بالتاريخ القديم في الجامعات العربية للرد عليه وتفنيد ما يروج له، من باب وضع المتابع العربي أمام وجهات النظر المختلفة.
ثانياً: يدعي الربيعي انه يفعل ما يفعل من أجل الدفاع عن فلسطين أمام روايات التهويد (الإسرائيلية)، لكننا مع الأسف نلاحظ بأن ما يحدث هو العكس تماماً، فروايات الربيعي باستنتاجاتها التعسفية لن تفكك الروايات الصهيونية بخصوص ما يزعمونه عن حقهم في فلسطين، لكنها مع الأسف تضيف روايات جديدة يمكن أن يعتمدون عليها لادعاء حقوق جديدة لهم تشمل إلى جانب فلسطين الجزيرة العربية برمتها، خصوصاً والربيعي يصف بني إسرائيل بأنهم قبيلة عربية قديمة، والديانة اليهودية أنها أيضاً ديانة عربية قديمة. فإن كان الربيعي صادقاً في هدفه ها نحن نوضح له خطأ الطريق الذي سلكه، أما إن كان قاصداً هو ومن سار على نهجه بجعل الجغرافية التوراتية في جزيرة العرب لسبب لا يفصحون عنه فعلينا كشف مقاصدهم وليس الترويج لها.
ثالثاً: يذكر الربيعي تلاعب التوراتيون بالأحداث التاريخية، وكلامه صحيح، لكنه يلجأ لنفس منهجهم حيث يتلاعب بالأحداث التاريخية وفقا لمنهج تعسفي سقيم كل بضاعته تشابه الأسماء هنا وهناك، وما لم يتشابه تم تحريفه أو تزويره ليتشابه، ونعتقد أننا قد ضربنا ما يكفي من الأمثلة على ذلك. وكما تقول القاعدة: ما ثبت زيف بعضه فالشك يتطرق إليه كاملاً، فالربيعي ومن سار على نهجه ينطبق عليهم المثل العربي القائل (حاطب ليل) فمرة تصيب فأسه، ومرات أخرى كثيرة تخطئ هدفها.
رابعاً: الربيعي مؤرخ هاوٍ، ونتمنى لو عاد لتخصصه الأدبي في كتابة القصة والرواية، فذلك مجاله الذي أبدع فيه، وليترك التاريخ لأهله ليتم تدوينه من الوثائق والمصادر الموثوقة ولا يتم كتابته بطريقة الروايات الفنتازية، فالتأريخ علم من العلوم مثله مثل أي علم لا يجوز أن يطرق أبوابه من لم يمتلك منهج البحث التاريخي وتدرب عليه بشكل علمي في أقسام التاريخ الجامعية، سواء في الدراسات الجامعية الأولية أو الدراسات العليا، فمثلما أنه لا يجوز لغير الطبيب أن يفتي في الطب، ولغير المتخصص في كل علم أن يفتي في ذلك العلم، فعلم التاريخ ينطبق عليه نفس القول. وهو ما يجعلنا نوجه دعوة من هنا لكل (المؤرخين) الهواة أن يعودوا إلى تخصصاتهم التي درسوها، ويتركون التاريخ والافتاء فيه لمن درسوه، فلا أدري ما الذي يجعل أديباً أو مهندساً أو محامياً… إلخ يترك تخصصه الذي تأهل فيه ويذهب لينصب نفسه مفتياً في التاريخ ويهرف بما لا يعرف، وكل همه البحث عن الإثارة والشهرة، حتى وإن تم ذلك على حساب الحقائق التاريخية وتشويهها بل وتزويرها في بعض الأحيان.
خامساً: نستغرب الترويج الذي تلقاه مقولات الربيعي وما تحظى به من اهتمام في الوقت الذي لا يلتفت فيه أحد للتاريخ المنهجي الذي يوثقه المؤرخون المتخصصون، بل ووصل الأمر ببعض المسؤولين اليمنيين الدعوة لجعل ما يقوله الربيعي نبراساً يتم الاقتداء به في أقسام التاريخ بالجامعات اليمنية، ولا ندري هل يتم ذلك عن جهلٍ أم من باب الاعتقاد بأن أقوال الربيعي تضيف للتاريخ اليمني، وهو ما شجع الكثير من الهواة الذين لا علاقة لهم بالدراسات التاريخية اليمنية لأن يلتحقوا بمنهج الربيعي ويقومون بالترويج لتاريخ أسطوري أو مبالغ فيه لم تثبت صحته المنهجية، وهو ما يجعلنا نؤكد بأن اليمن لديها تاريخ حضاري مجيد يكفيها لأن يجل منها واحدة من الحضارات القديمة الرائدة التي عرفها العالم منذ أقدم العصور، فلا نضيّع ذلك التاريخ بما نضيفه إليه من عندنا، فيختلط الحابل بالنابل، من حيث اعتقدنا أننا نخدم ذلك التاريخ.
أخيراً: كانت هذه محاولة سريعة للرد على ما يطرحه الدكتور فاضل الربيعي ومن سار على نهجة، على أمل أن تجد طريقها إلى القارئ العربي وتفند بعض ما يطرحه الربيعي وصحبه، ونعترف أن ما قدمناه يمثل جهد المقل، لكنه يمكن أن يكون الخطوة التي تبدأ بها رحلة الألف ميل، وحسبنا أننا ساهمنا بإلقاء حجر عله يسهم في تحريك المياه الراكدة. مع شكرنا لكل من سبقنا وتصدى للرد على طروحات الربيعي ومن سار على نهجه؛ سواء في داخل اليمن أو غيرها من الأقطار العربية. مع التنبيه أننا ركزنا على الأشهر الذي يتم ترويجه ولم نرد على كل ما يطرحه الربيعي، فذلك مشروع كبير لا يمكن استيعابه في مقالة.. والله من وراء القصد.
خليك معنا