| *بقلم: د. سارة عيسي |
قبل أن نخوض في التفاصيل علينا أن ندرك معلومة في غاية الأهمية ، وهي أن نظام البشير يمثل نموذجاً لحكم الإخوان ، وهو النموذج الوحيد الذي بقى على الحياة بعد خسارة الإخوان لنفوذهم في دول الربيع العربي، ولا ننسى أن الدكتور حسن عبد الله الترابي قد سبق القطريين في تأسيس كيان عالمي للإخوان المسلمين ، وقد قام بتأسيس المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي وتولى زعامته بنفسه ، كما أنه قدم الدعوة للسعودي أسامة بن لادن للمشاركة في هذا الكيان ، إذاً فإن قطر تحارب في نفس ميدان المعركة الذي كان متواجداً فيه الدكتور الترابي ، أو بالأحرى يواصلون المعركة بنفس السيف القديم ، وهناك لغط في السودان من هم الإخوان المسلمين ؟؟
وفي العادة تتم الإشارة لتيار الشيخ الصادق عبد الله عبد الماجد أو تيار الشيخ سليمان أبو نارو ، وذلك لعكس التهمة عن حزب المؤتمر الوطني ، ولكن في الحقيقة أن التيار الذي يمثله الشيخ الصادق عبد الماجد لم يزد عن قلة محدودة منذ الستينات ، ولا توجد خلافات جوهرية بين تيارات الإخوان المختلفة في السودان ، فهو خلاف على الاوعية وليس على المناهج ، لكن يعتبر التيار الذي يمثله الدكتور الزبير أحمد الحسن ، والمُسمى الحركة الإسلامية يعتبر هو التيار الغالب والممثل لحزب الإخوان في السودان ، وهو التيار الذي يمد يد العون والمساندة لإخوان مصر ، وقد تم إطلاق إسم الحركة الإسلامية على هذا التنظيم كنوع من فقه التقية ولتجاوز الحرج الذي يمكنه أن يسببه مصطلح إخوان مسلمون ، في عالم أصبح ينبذ هذا التنظيم ويحاربه ، ومن الأطر التنظيمية يتم اختيار منصب الأمين العام للحركة الإسلامية في السودان بالبيعة ، كما أن التنظيم يستر على عضويته من غير السودانيين ولا يكشف النقاب عن موارده المالية.
بعد وصول الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لحكم قطر بعد الانقلاب على والده حدث تطور هام ، الرجل يريد قطر الثرية بالنفط والغاز ان تتحول لكوبا ثورية تقود التغيير في الدول المحيطة والعالم العربي ، فكان الرجل في حاجة لمنظومة فكرية تتحمل بناء هذا الهيكل ، فأستغل الإخوان الفرصة وتحالفوا مع الأمير القطري الطموح لتأسيس الدولة الإخوانية العالمية ، وهم بذلك يستلهمون فكرة التحالف بين آل سعود والشيخ محمد عبد الوهاب عند تأسيس الدولة السعودية ، وقتها كان المشروع السوداني في قيد الإنشاء ولكنه يواجه عقبة حرب الجنوب ، كما أن النظام واجه شحاً في الموارد المالية بسبب انهيار الاقتصاد والحصار ، ولذلك عمدت كل من قطر وإيران لدعم النظام ، قطر بالمال والإعلام وإيران بالسلاح والتدريب ، كما وجه النظام في الخرطوم آلته الإعلامية ضد المملكة العربية السعودية ومصر أيام غزو العراق للكويت في عام 91، وقد وصل به الأمر لتدبير محاولة إغتيال الرئيس المصري حسني مبارك ، ولذلك يجب أن لا نستغرب إن إستنجدت قطر بإيران لحماية أمنها القومي ، أو وقف إخوان السودان في مربع الحياد وهم ينتظرون نهاية العاصفة لجني الثمر من كافة البساتين ، فإيران تعتبر أحد حلفاء الإخوان ، وقد شهدنا هذه التجربة في السودان. إيران هي التي أنشات مصانع السلاح في السودان ودعمت الجيش السوداني بالسلاح والذخيرة .
لكن المشروع الإخواني في السودان بدأ يتعرض لبعض المحن ، فكان الخلاف والإنشقاق التام بين تياري البشير والترابي ، كان الدكتور الترابي طموحاً ويسعى لتأسيس دولة الإخوان الكبرى مهما أستغرقت من زمن وتضحيات ، لم يكن الخلاف يدور حول تطبيق أفكار الإخوان المسلمين على أرض الواقع ، بل كان الصراع حول النفوذ وسدة الحكم والأموال ، وطوال هذه المدة سعت قطر لتقريب المسافة بين الدكتور الترابي والبشير ، وقد زار الدكتور القرضاوي السودان عدة مرات لعقد الصلح بين المتخاصمين ، كانت قطر معنية فقط بالصراع بين البشير والترابي ، ولم يكن يهمها مصير بقية أهل السودان الذين أفقرهم هذا المشروع الفاسد ، وبقي الدكتور الترابي (سيد ) قناة الجزيرة ، فهو الحاضر في برامج ( الشريعة والحياة ) و ( شاهد على العصر ) و ( الإتجاه المعاكس ) ، وفي العادة يكون مدير مكتب الجزيرة في الخرطوم محسوب على حزب المؤتمر الشعبي ، نجحت مجهودات قطر في إطالة أمد نظام البشير ، ذلك بفضل المال والترضيات ، كما أنها نجحت في إنتزاع ملف قضية دارفور من المجتمع الدولي ، فكان منبر الدوحة هو سوق للعطايا وبيع المناصب ، حيث يحج المنشقين عن الحركات المسلحة للدوحة فيجدوا الأموال والمناصب في انتظارهم ، فالشيخ حمد آل ثاني بنى نصف مدينة بنت جبيل الشيعية في جنوب لبنان بعد حرب حزب الله مع إسرائيل ، ولكنه لم يتبرع بخيمة واحدة للمشردين بسبب حرب دارفور ، بل إكتفى بإغداق الأموال لقادة الحركات المسلحة وتجييرهم لصالح نظام الخرطوم.
ثم بدأ الربيع العربي الذي تحول لربيع دام في المنطقة العربية ، شعر الإخوان أنهم أكثر قرباً من أي وقت مضى لتأسيس دولة الإخوان العالمية ، القرضاوي من قطر ، الترابي من السودان ، محمد عاكف من مصر ، والغرياني في ليبيا والغنوشي من تونس ، ركب الإخوان موجة هذا المشروع ومن خلفهم قناة الجزيرة ، بينما تكفل الشيخ القرضاوي بالفتاوي ، كشف نظام الخرطوم علاقته بتنظيم الإخوان المسلمين وشارك قطر في بناء جسر جوي يربط طرابلس بقطر ، تدفقت شحنات السلاح على القائد العسكري لطرابلس عبد الحكيم بلحاج ، وهو شخصية إرهابية كانت تقيم في السودان ، وهو متزوج من سودانية ، بالمناسبة ان الدكتور يوسف القرضاوي زار ليبيا وقابل القذافي من أجل التوسط لإطلاق سراح كل من عبد الحكيم عبد الحاج وعلي الصلابي من السجن ، وقد نجحت مساعي العفو فتم إطلاق سراحهما من السجن ، وهذه هي المرة الوحيدة التي يقع فيها العقيد القذافي في الخطأ ، وكلنا نعلم أن الرحل القذافي كان يطلق على الاخوان المسلمين اسم الكلاب الضالة ولا يتسامح معهم ، وربما كان محقاً في ذلك لأن هذين الرجلين قابلا هذا العفو بقتل العقيد وافراد أسرته والتمثيل بجثثتهم.
أيام حرب الجنوب في السودان إتخذت قطر الموقف التقليدي للإخوان حيال الراحل جون قرنق ، فبدأت تبث الدعاية عن دور الكنائس وإسرائيل في الحرب ، وكيف أن السودان الشمالي ، العربي والمسلم ، سوف يزول ، والعرب المسلمون في السودان سوف يخرجون من هذا البلد كما خرج أسلافهم من الأندلس ، كانت قناة الجزيرة هو الواجهة الإعلامية لمنبر السلام العادل الذي كان ينادي بفصل الجنوب عن الشمال.
لكن مشروع الإخوان في السودان تسبب في فشل المشروع الإخواني في بقية الدول العربية ، أول خطاب لمصطفى عبد الجليل في ليبيا كان هو الدعوة لتعدد الزوجات ، وليس الدعوة للحرية والمصالحة ، شعرت الدول الغربية ومن بينها فرنسا انها خدعت في الحرب ، وسجن أبو سليم الذي كان السبب في سقوط نظام القذافي هو المدرسة التي خرجت تنظيم الدولة الإسلامية ، ولو كان هذا السجن موجوداً اليوم لقصفه الناتو بصواريخ توماهوك ويزيل الحرج عن العقيد القذافي .
وفي تونس ومصر بدأ مشروع التمكين ، وهو مشروع صنعه إخوان السودان والمقصود منه إفراغ أجهزة الدولية من المعارضين وتمكين المحسوبين على الإخوان للسيطرة على مفاصل الدولة ، رأت المجتمعات العربية ما حدث في السودان من حروب وفقر وإنتهاك لحقوق الإنسان بسبب وصول هذا التنظيم لسدة الحكم ، قوة المجتمع المدني في كل من مصر وتونس إعترضت نجاح مشروع الإخوان في حكم هذين البلدين ، من تجرع السم كان قطر وهي ترى تبخر الحلم الذي طالما انتظرته ، ولذلك ناصبت نظام الرئيس السيسي العداء وهي تمني نفسها بإندلاع ثورة جديدة تعيد الرئيس محمد مرسي لسدة الحكم.
بعد فشل الرهان على مشروع الإخوان في مصر ، التقط نظراؤهم السودانيون فرصة المشاركة في عاصفة الحزم لترتيب صفوفهم ، وهم قد شاركوا في هذه الحملة لأن قطر كانت من بين دول التحالف ، لكن ما حدث أخيراً بين دول الخليج وقطر مؤخراً وضعهم في موقف لا يحسدون عليه ، فهم لا يستطيعون المجاهرة بمعارضة قطر أو تأييدها في العلن ، إذا عارضو قطر فهم بذلك يعصون وصايا التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ، وغير كل ذلك أن قطر تملك القرار السوداني لأنها رهنت كل الأصول السيادية في السودان لحماية القروض التي منحتها له ، وقطر تملك ما نسميه (x files ) لنظام الخرطوم ، وهي ملفات حساسة تشمل حتى الحالة الصحية للمسؤولين السودانيين وحساباتهم في البنوك . وفي نفس الوقت أنهم يمارسون سياسة دفن الروؤس في الرمال مع السعودية التي تعلم ان دول مثل النيجر وموريتانيا وتشاد اتخذت مواقفاً واضحاً من قطر على عكس السودان الذي فضل المراوغة وانتظار النتيجة.
هذه الأزمة بين قطر ودول الخليج بقيادة السعودية أشبه بخيارات الشاعر نزار قباني عندما خير محبوبته بين الموت في صدره أو دفتر أشعاره ، لا مجال لضبابية والتفرج ، هذه الدول تراقب سلوك نظام الخرطوم الذي فضل الصمت وهو يمارس ما يعرف في السياسة ( بالحياد الإيجابي ) ، إكتفت الدولة السودانية ببيان مقروء في وسائل الإعلام ، وقد خلا شهر رمضان من زيارات الرئيس البشير للسعودية ، فقد توارى الرجل عن الأنظار وهو ينتظر معجزة من السماء ، بأن يغمض عينيه ثم يفتحهما ليجد أن هذا الكابوس قد انتهى ، وهو يمنى نفسه بأن تنتهي هذه الأزمة قبل شهر يوليو 2017 ، وهو اليوم الموعود برفع العقوبات الأمريكية عن السودان ، موقف الرئيس البشير أصبح أكثر تعقيداً من نظيره القطري ، فهو محكوم بين الإلتزام الأخلاقي لقطر لأنها دعمته طوال فترات حكمه ، وبين واقع جديد فرض عليه التعامل مع كل من السعودية والإمارات. لا أعرف ما هي المسطرة التي يقيس بها الرئيس البشير مساحة المصالح بين ما يؤمن به وما يريده ، ولكنها سوف ترسم خطوطاً مستقيمة ولا يوجد مجال لتلاقي المنحنيات.
-
كاتبة سودانية