تعالى أصوات الشباب السعودي، وتطالب بفرصة عمل، في دولة الرفاه التي تمتع بها ملايين السعوديين لعقود دون الاضطرار للعمل، الأخطر أن نصف العاطلين عن العمل هم من الخريجين الذين نالوا شهادات جامعية يرغبون في العمل في مجال التخصص الدراسي.
تغيرت الكثير من الأمور، وأصبح العديد من المواطنين السعوديين يرفضون التواجد الكبير للعمالة الأجنبية؛ لأنهم يرون فيها «سالبة» لفرص عملهم، وبالرغم من وعود الحكومة السعودية وإجراءاتها المتتالية لتخفيف نسب البطالة، تظهر احتجاجات الشباب السعودي أنه لم يرض بعد بما تتخذه الحكومة لحل أزمته.
في بلاد الذهب الأسود.. مليون عاطل عن العمل
احتجاجًا على غياب التوظيف وزيادة معدلات البطالة بين الشباب السعودي، عاود هؤلاء العاطلون السعوديون خلال الأيام القليلة الماضية إطلاق وسم جديد على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، هو «#أنا_خريج_عاطل»، وألحق الوسم بنشر المؤهّلات العلميّة وعدد السنوات التي قضوها عاطلين عن العمل، وذلك بعد أقل من شهر على إطلاق وسم «#مليون_عاطل_نصهم_جامعيين»، الذي انطلق بعد إعلان هيئة الإحصاء السعودية الخاصة في سوق العمل أن «إجمالي الباحثين عن عمل بالمملكة خلال الربع الأول من عام 2017 تجاوز 900 ألف شخص من الجنسين»، إذ يستحوذ الحاصلون على الشهادات الجامعية على النصيب الأكبر من البطالة في السعوديّة.
وفي قراءة لآخر الأرقام يظهر تقرير حديث صادر عن الهيئة العامة للإحصاء السعودية أن معدل البطالة قفز إلى 12.7% في الربع الأول من 2017، في الربع الأول من 2017، إلا أن جهات غير رسمية تتحدث عن نسبة أكبر بخصوص معدلات البطالة، تؤكد أنها 23.1%، وليست 12% فقط، بل تذهب تقديرات أخرى إلى القول بأنها تصل إلى 25% أو أكثر في صفوف الشباب.
وحسب مسح أخير لشركة «إبسوس» العالمية للأبحاث، فالبطالة تتصدر أبرز الأمور التي تقلق السعوديين بحسب مؤشرات شهر تموز (يوليو) الماضي، يتبعها الخوف من الإرهاب.
بالرغم من «سَعوَدَة الوظائف» السعودية تفقد الإرادة الحقيقية لحل البطالة
يمكن تفهم وجود أزمة بطالة في بلد ضعيفة اقتصاديًا وبلا موارد مالية، لكن يبدو الأمر غريبًا في حال ارتفاع البطالة في بلد ثري وبه العديد من الموارد الغنية مثل السعودية، الاقتصاديين يرجعون أسباب البطالة في السعودية لتراجع أسعار النفط وتزايد عجز الموازنة العامة، الأمر الذي أدى إلى التقشف وتراجع الإنفاق على المشاريع الحكومية.
ووفقاً لأرقام الهيئة، يُشكل السعوديون 26.3% (3.06 مليون) من العاملين في البلاد (حكومي وخاص)، فيما الأجانب 73.7% (8.58 مليون)، من الإجمالي 11.64 مليون.
مشروع لشباب سعودي لمواجهة البطالة
يقول رئيس قسم الاقتصاد بصحيفة « العربى الجديد» اللندنية «مصطفى عبد السلام» أنه من الطبيعي تفهم تفاقم أزمات اقتصادية من نوعية البطالة والفقر وغيرها في دول عربية قليلة الموارد المالية والطبيعية، وليس لديها ثروات تمكنها من التعامل مع هذه الأزمات بشكل كفء، مثل تونس أو السودان أو فلسطين أو اليمن ولبنان وغيرها، مستدركًا لـ«ساسة بوست»: «لكن ما لا يمكن تفهمه هو وجود معدلات للبطالة تفوق ١٢٪ داخل بلد مثل السعودية وغيرها من دول الخليج؛ فالسعودية تمتلك احتياطيات من النقد الأجنبي تقارب ٥٠٠ مليار دولار وتعد أكبر منتج للنفط حول العالم وتبلغ إيراداتها من النفط وحده ٣٥٠ مليون دولار يوميًا، وهو مبلغ كاف لحل أية أزمة مالية مهما تكن تكلفتها»، ويضيف: «لا توجد إرادة حقيقية وخطط واقعية للتعامل مع واحدة من أخطر الأزمات، خاصة بين الشباب، بالرغم من الحديث المستمر عن سَعوَدَة الوظائف والحد من العمالة الوافدة».
هل التخلص من العمالة الأجنبية يحل مشكلة البطالة في السعودية؟
في يناير (كانون الثاني) 2017، نشرت صحيفة «الحياة» اللندنية في النسخة السعودية منها رسمًا كاريكاتيريًا، يظهر العمالة الأجنبية أنها فأر يقرض الطريق لقطعه على مواطن سعودي يسير بصعوبة على حبل رفيع يمثل سوق العمل.
هذا الرسم الذي لاقى استهجانًا كبيرًا، هو واقع يؤمن به ويكرره العديد من العاطلين السعوديين الذين أطلقوا هاشتاج «#ترحيل_الأجانب_مطلب_وطني»؛ إذ يعتقد العديد من السعوديين حكومة وشعبًا أن أحد أسباب وجود أزمة البطالة بين الشباب، هي العمالة الأجنبية التي تستهلك فرص العمل، حيث يقيم في المملكة 11 مليون أجنبي، يشكلون 37% من سكانها البالغ تعدادهم 31.74 بحسب بيانات رسمية في 2016، ولذلك لا يكف السعوديون عن الدعوة للاستغناء عن الأجانب كسبيل وحيد لعمالة السعوديين بدلًا عنهم، خاصة أن أرقام وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السعودية للعام 2015، تظهر أن الاقتصاد السعودي يوفر نحو 11.5 مليون وظيفة، يشغل السعوديون منها نحو 5 ملايين، أغلبها وظائف حكومية، أي نحو 43% من سوق العمل، بينما حسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية (حكومي) يبلغ عدد المشتغلين السعوديين في القطاع الخاص 1.68 مليون موظف، يشكلون 16.5% من الإجمالي، فيما الأجانب 8.49 مليون (83.5%)، من إجمالي المشتغلين بالقطاع البالغ 10.17 مليون بنهاية 2016.
واستجابت الحكومة السعودية لهذه القناعة، وبدأت باتخاذ إجراءاتها لتقليص العمالة الأجنبية، وعملت على تشديد القيود وفرض قوانين، مثل مغادرة المخالفين للشروط الإقامة (5 ملايين شخص مخالف) خلال 90 يومًا وإلا وقع المخالف تحت طائلة العقوبات والمساءلة القانونية، إضافة لفرض رسوم شهرية على العمالة الوافدة، بواقع 400 ريال (106.7 دولار) خلال 2018 لترتفع إلى 600 ريال (160 دولار) في 2019، وتصل إلى 800 ريال (213.3 دولارا) في عام 2020؛ وذلك بغية تخفيض نسبة البطالة إلى أقل 9 % بحلول 2020.
عمال أجانب في السعودية
ولكن هل التخلص من العمالة الأجنبية يحل مشكلة البطالة في السعودية؟ للإجابة على هذا التساؤل يمكن البدء في الحديث عن خصوصية العمالة الأجنبية في القطاع الخاص، والتي تصل نسبتها إلى 80%، إذ تعول الحكومة على القطاع الخاص لخلق ملايين الوظائف لقوة العمل السعودية خلال سنوات قليلة، في القطاع السعودي الخاص يعمل القسم الأكبر في مجالات تعوّد غالبية السعوديين على ازدرائها، مثل أعمال النظافة والمطاعم والفنادق والخدمات المنزلية، ويعمل في القسم الآخر رجال البناء والصناعة والتجارة والنقل الصيانة والخدمات الصحية، ليشكل قرار الاستغناء عن هؤلاء خطر كبير يعرّض قطاعات بكاملها للانهيار، كما سيحول ذلك دون تحقيق أهداف (رؤية 2030) الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على النفط.
وقد أدرك رجال أعمال سعوديين عدم جدوى سياسات الحكومة الحالية، بسبب لمسهم لتراجع أعمال الشركات التي أخذت باستبدال السعوديين بالعمالة الأجنبية، إذ تشتكي بعض الشركات من تدني الإنتاجية بسبب عدم قيام الكثير من السعوديين بمهامهم؛ مما يعرقل سير العمل ويرفع تكلفت الإنتاج، ولذلك يؤكد الاقتصاديون أن برامج توطين سوق العمل فاشلة بامتياز، وأنتجت «سعودة وهمية». كما قال عضو جمعية الاقتصاد السعودية والكاتب الاقتصادي، عبدالحميد العمري.