مساع دبلوماسية مرتقبة تجري اليوم في قمة سوتشي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان في محاولة أخيرة لحل ازمة إدلب، مع استعداد سوريا وحلفائها لفك عقدة ادلب بكنس الارهاب من ارضها من جهة والمسلحين ومشغليهم لإدامة الازمة السورية من جهة أخرى.
خلال كتابة هذا المقال، أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، أن الرئيسين الروسي والتركي مستمران في مناقشة قضايا التسوية السورية، مشيرا إلى أن الوضع في إدلب مازال صعبا ومعقدا، وان هناك بعض الاختلافات في النهج، بعد مناقشته منذ فترة في الصيغة الثلاثية (إيران وتركيا وروسيا) وانه ستناقش موسكو وأنقرة اليوم هذه القضية في صيغة ثنائية.
قمة سوتشي الروسية التركية تبدأ اليوم في وقت يتجه فيه التواجد الاميركي العسكري في سوريا (شرق الفرات) نحو التصعيد في حضور قوات اضافية على الارض استعدادا لتطورات احداث ادلب، الامر الذي تزامن مع توجه مجوعة تكتيكية لسفن حربية تابعة لحلف شمال الاطلسي “الناتو” الى الجزء الشرقي من البحر المتوسط وباتت على مسافة قريبة من المياه الإقليمية السورية، فيما يواصل الكيان الاسرائيلي اعتداءاته على مواقع حكومية سورية، وكان آخرها أول من أمس ضد مواقع في محيط مطار دمشق الدولي، كما كثفت تركيا إمداداتها بالسلاح للمسلحين للتصدي لهجوم الجيش السوري وقد غطت الامم المتحدة على الجانب الانساني بالتلويح ان اي حرب في ادلب ستؤدي الى كارثة انسانية مشيرة الى ان العمليات العسكرية في ادلب دفعت عشرات الالاف للنزوح.
تركيا عمدت العمل على تكثيف ارسالها للاسلحة والعتاد العسكري الى الارهابيين في ادلب ونشر مزيد من القوات والأسلحة الثقيلة في (12) موقعا في المحافظة، وقال قائد كبير في ما يسمى بالجيش الحر، ان الأتراك قدموا تعهدات بدعم عسكري كامل لمعركة طوية الأمد كي لا يستطيع الجيش السوري الوصول إلى ما يريد في ادلب، وذلك ما اكدته المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” بقولها ان المسلحين في إدلب يستعدون للهجوم على حلب وحماة في حال تقدم الجيش السوري في ادلب.
وبذلك يمكننا القول ان هذا الحشد (الدبلوماسي في سوتشي) و(العسكري على الارض السورية) له اهميته القصوى لدى المعسكرين (الشرعي المتمثل بالحكومة السورية على ارضها)، و(المعسكر المتطرف وحماته غير الشرعيين) وتدخلاتهم المباشرة على الساحة السورية انتصارا لاجندة تسعى لدمار سوريا وابقائها منطقة غير مستقرة تلعق جراحها النازفة لاطول مدة من الزمن من اجل حفظ أمن الكيان الاسرائيلي.
ولا ننسى ان إطالة أمد الحرب كانت هي الاستراتيجية الاميركية المعتمدة منذ الاقتناع بفشل خيار اسقاط الرئيس السوري بشار الأسد في 2011.
الزخم العسكري الاميركي التركي الاسرائيلي الاممي في هذا الوقت والمصحوب باتهامات وفبركات اعلامية كاذبة نطق بها مسؤولون أميركيون في الأيام القليلة الماضية، أن لديهم أدلة على أن حكومة الأسد تجهز أسلحة كيماوية قبل هجوم محتمل على إدلب، جاء للضغط على المفاصل الدبلوماسية علها تتراخى من قبل الجانب الروسي بعد ان فشلت المساعي التركية السابقة في تحييد روسيا وايران وعلى الجانب السوري عله يتراجع عن مبدأ تحرير الارض.
فقد اطلق مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب للأمن القومي، جون بولتون في العاشر من سبتمبر/أيلول الجاري، بالونا استفزازيا يؤكد خلاله ان الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، اتفقت على أن استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيماوية مرة أخرى، سيؤدي إلى “رد أقوى بكثير” من الضربات الجوية السابقة “التي اثبتت عدم جدواها في تغيير مسار الحكومة السورية انتهاج مبدأ تنظيف الارض وكنسها من الارهابيين”.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اكد في وقت سابق ان بلاده مستعدة لدعم حلفائها اذا لزم الامر وذلك في اشارة للتهديدات الغربية لدمشق، فيما أبدت سوريا استعدادها التام لتنظيف بقايا الارهاب المتقوقع في ادلب وهو حق مشروع، في مقابل المسلحين ومشغليهم (تركيا واميركا والناتو والكيان الاسرائيلي وحفنة من الدول العربية الخليجية المدعومون جميعا امميا).
المعلومات تشير الى ان الرئيس بوتين يسعى خلال لقائه أردوغان اليوم، إلى إقناعه بعملية عسكرية محدودة ودقيقة تنهي التواجد الارهابي في إدلب، غير ان اردوغان يسعى لإقناع بوتين بتولي فصائل معارضة السيطرة على المحافظة باستثناء بعض الأجزاء التي تشكل أهمية خاصة للروس على غرار منطقة جسر الشغور، وبذلك يتم وضع استراتيجية مشتركة لوضع حد للجماعات المصنفة إرهابية وعلى رأسها جبهة “فتح الشام” أو “النصرة” سابقا التي تسيطر على أكثر من 60% من محافظة ادلب.
غير ان مصادر دبلوماسية روسية أكدت أنه لا بديل عن إطلاق عملية ادلب في حال فشلت مساعي الحل السياسي وتشجيع المصالحات، ولا تستبعد المصادر الروسية أن يمنح الرئيس بوتين مهلة إضافية لاردوغان لتنفيذ تعهداته في ملف فصل ما يسمى “المعارضة المعتدلة” عن المتطرفين، لكن الدبلوماسيين الروس يرون أن هذه المهمة صعبة للغاية. أما عن نتائج القمة فيرجح محللون الاتفاق على فتح ممرات إنسانية، ما يعني التزاما كاملا بوقف النار مع الاحتفاظ بحق الرد على محاولات استفزازية يمكن أن يشنها المتطرفون.