الأربعاء, 11 ديسمبر, 2024

موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية

الصباح اليمني_ثقافة وهوية|

ربما كانت هذه الموسوعة الصادرة عن المكتبة العربية ، تأليف الدكتور عبد الوهاب المسيري، هي أكبر جهد قام به الفكر العربي من أجل فهم العدو الذي يعتبر رغم كل اتفاقيات السلام هو الخطر الاكبر على امتنا العربية وبحسب المؤلف تكون موسوعة اليهودية قد اضطلعت بمهمتها اضطلاعاً يدل على التخصص في أدق معانيه وذلك بما توفر  لها من المراجع المتنوعة والزمن الطويل الذي يمكن من الاستقصاء والمتابعة.

فجاءت هذه الموسوعة تجمع في نسيج دقيق بين التحصيل والترتيب، والتحليل والتركيب ، أي أنها مرآة تنعكس عليها تلك الجدلية الصاخبة بين المعلومات والأفكار، فالمعلومات هنا لا ترد وروداً تراكمياً شأنها في الموسوعات ودوائر المعارف، بل تنظمها جميعاً سياقات ذهنية محكمة تهدف لا إلى مجرد جمعها ، بل إلى تفسيرها في حالتها الراهنة وربما تتعداها إلى التنبؤ بالمستقبل، ونحن نعرف أننا عاجزون عن تقديم فكرة ولو تقريبية عن الموسوعة كلها، لهذا نقنع بمجرد الوميض الخاطف نلقيه عليها حتى يتاح لنا قول كلمة أشد عمقاً وأعظم تفصيلاً ، وأول ما نحب أن نقرره هو أن لهذه الموسوعة نظائر سابقات عليها في غير عالمنا العربي، وأهم هذه الموسوعات :

۱ – موسوعة الجماعات اليهودية والعقيدة اليهودية تأليف إسحاق بن صمويل لامبرونتي الطبيب وتقع هذه الموسوعة في ثلاثة عشر جزءاً ما بين سنتي ١٧٥٠ – ١٨٨٨ م .
٢ – الموسوعة اليهودية – الألمانية المتخصصة من وضع جيكوب هامبورجر، وقد ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر وكانت ذات طابع ديني كسابقتها .
٣ – أول موسوعة عن اليهودية باللغة الإنجليزية في أوائل القرن الحالي ١٩٠١ – ١٩٠٦” تأليف أ- سنجر وتقع في اثني عشر جزءاً .
4- الموسوعة اليهودية العالمية تأليف إسحاق لاندمان ، ونشرت في نيويورك من عامي 1939م- ١٩٤٣ م وظهرت في عشرة أجزاء.”
ه – موسوعة سيسل روس، وجيفري  ويجودر في جزء واحد عام ١٩٥٨م.
6- ظهرت أول موسوعة متخصصة في  الصهيونية وإسرائيل “دون تراث أعضاء .
الجماعات اليهودية” عام ۱۹۷۱ م بعنوان موسوعة الصهيونية وإسرائيل وكتبت تحت رعاية زلمان شازار.
7- ظهرت الموسوعة اليهودية عام ١٩٧٢م وهي أكبر عمل موسوعي حتى الآن يختص بتراث أعضاء الجماعات اليهودية بكل جوانبه ، وضمن ذلك الصهيونية وإسرائيل وتقع في ستة عشر جزءاً، إلى آخره.. ولعل القارئ يلاحظ أننا قد أطلنا بعض الشئ في ذكر الموسوعات السابقة على موسوعة المسيري، وماذاك إلا ليتضح أنه في هذا العمل إنما كان يستند إلى تراث متشعب قد تضافرت على صياغته جهود شتى، ومن هنا تتضح قيمة هذه الموسوعة التي بين أيدينا .
أولاً : لأنها أول عمل من نوعه في اللغة العربية ، ثانياً : لأنها تغطي جوانب مشكلة الوجود اليهودي إن في تاريخه أو في فعلياته الراهنة أو في أهدافه المستقبلية، ولعل من الأهمية بمكان أن نقرر أن هذه الموسوعة بطبيعتها عمل تفكيكي وتأسيسي ، أي أنه لا يدرس ظاهرة بمعطيات ظاهرة أخرى، وهذا سلاح ذو حدين، فهو من ناحية يتجنب تلك الهيكلية التنظيرية التي تصف لجميع المرضى دواء واحداً، وهذا صحي داخل الدراسة، لكنه من ناحية أخرى يخلو من نقطة مركزية يسهل على دارسه أن يبدأ منها، والموسوعة – في مجملها – تخالف بناء الموسوعات فهي تتجنب الترتيب الألفبائي الذي يفترض أن القارئ عارف بالمصطلحات سلفاً ومن هنا يسهل عليه البحث عن المصطلحات التي يعرفها أو الشخصيات التي يريد أن يعرف المزيد عنها، أما هذه الموسوعة فقد رتبت ترتيباً موضعياً ولواضعها فلسفة في هذا الترتيب إذ يعني هذا الترتيب بالنسبة له أن القارئ لابد أن يتدرج مع الموسوعة من الإشكاليات إلى محاولة الاجابة إلى العرض التاريخي على أن الموسوعة لم تخل من فهرست الفبائي حتى ييسرعملية الوصول إلى المداخل المختلفة، وحتى يستطيع القارئ أن يصل إلى أي مصطلح أو شخصية يقابلها .
بناء الموسوعة
أما من حيث البناء فالموسوعة تنقسم إلى ثمانية مجلدات . الأول منها يضم الإطار النظري العام ” والذي يتجاوز الظاهرة اليهودية” فهو بمنزلة المستوى الأكثر تجريداً وتحليلاً، تم فيه شرح النموذج الأكبر وما يتفرع عنه من نماذج صغرى، بل شرحت فيه فكرة النموذج ذاتها كأداة تحليليلة كما شرحت المصطلحات التي تم استخدامها. وفي المجلدين الثاني والثالث قام المؤلف بتناول الإشكاليات العامة المتعلقة بدراسة الشأن اليهودي. وفي المجلد  الرابع خفض المؤلف ذلك المستوى التعميمي، فتناول تواريخ الجماعات اليهودية كلاً على حدة في مختلف بلدان العالم والتشكيلات الحضارية .
ولذا كان التقسيم هنا جغرافياً، فهناك باب عن فرنسا وآخر عن إنجلترا وعدة أبواب عن كل من روسيا وبولندا والولايات المتحدة كما لم يغفل المؤلف التطور التاريخي داخل كل بلد في جانبيه العام والخاص، ففي بولندا مثلاً أفرد المؤلف عدة مداخل لتاريخ بولندا ومداخل مستقلة لطبقة الشلاختا والإقطاع الاستيطاني وجماعات الهايدماك وهكذا أما المجلد الثامن فيضم آليات الموسوعة وملحقاً خاصاً بالمفاهيم والمصطلحات الأساسية وثبتا تاريخياً بالإضافة الى الفهارس الألفبائية .
وقسم كل مجلد في الموسوعة إلى اجزاء أقل عمومية عن عنوان المجلد. فالمجلد الثاني يُسمى إشكاليات حيث يتناول كل باب إشكالية بعينها “طبيعة اليهود في كل زمان ومكان – إشكالية الجوهر اليهودي – يهود أم جماعات يهودية ؟ – يهود أم جماعات وظيفية يهودية؟ إشكالية العداء الأزلي لليهود” وقسم كل جزء الى أبواب مختلفة، وكل باب يضم مداخل مختلفة تبدأ عادة بما يمكن تسميته المدخل المظلة” “المدخل العام بالنسبة لهذا الباب” وهو المدخل الذي تطرح فيه إشكالية الباب ككل، وفيه تتم محاولة الاجابة عنها من خلال النموذج التفسيري الجديد ويعقب ذلك المدخل الرئيسي مداخل تفصيلية تمثل التطبيق والتوضيح لما جاء في المدخل الرئيسي ، ولنعد إلى المجلد الأول لنقرر أنه يضطلع بتحديد الأطر والمفاهيم النظرية التي تحكم عملية السير في الدراسة من ناحية، وتفسير ما يليها من تواريخ وإجراءات وممارسات في ضوء أحيزه عامة من ناحية أخرى، لهذا فليس غريبا أن تجد في الجزء الأول حديثاً – يتراوح بين التفصيل والاقتضاب عن مفاهيم مثل : الواحدية الكمونية، الحلولية، ولئن كانت هذه المفاهيم معروفة لدى مؤرخ الفلسفة – بوصفها نتاج هذه المدرسة أو تلك – لقد جاءت هنا تحمل تفسيراً آخر في نشأتها وأهدافها على السواء، أضف إلى هذا وجود أفكار لم يعرفها تاريخ الفلسفة وإن كانت تنتمي إلى عمليات تفلسف مجهدة، تتحدد من خلالها حركة الذهن البشري كي ما يسهل بواسطتها تفسير الواقع، ولو تفسيراً تقريبياً، ومن أخطر هذه الأفكار، وأدقها فكرة “النماذج” وفحواها ببساطة شديدة أنه ما من أحد إلا وعقائده وتصرفاته إنما هي مصوغة وفقاً لنموذج ما في ذهنه ، هذا النموذج نوع من أنواع الترقي من التجسيد إلى التجريد، وهذا التجريد لا يتم إلا بعد تصفح عشرات بل مئات الجزئيات الواقعية المختلفة، أي أن هذا النموذج صورة ذهنية تخرج من  الواقع ثم تعود لتفسره ویرى قسماتها أثر الزمان والمكان، كما يمكن وصفها بشيء من الثبات .
اختزال للتاريخ
وليس بصعب على القارئ أن يدرك مدى إمكان الاستعانة بهذه الفكرة سواء أكان ذلك في الحياة بصفة عامة أم في المجال الخاص بما نحن بصدده، أي اليهود واليهودية ، فتصورنا لليهود وتصورهم لنا وطبيعة التدين في كلا الفريقين، بل وحتى المعاني المادية الشنيعة التي نلاحظها في نتاج اليهود تاريخاً، وعقيدة، إنما مرجعة إلى طبيعة النماذج التي توجهنا جميعاً أفعالاً وعقيدة، ليس هذا فحسب، بل إن ذلك التفكير الاختزالي – أعني الذي يختزل التاريخ في نموذج مضغوط قافزاً فوق عشرات التفصيلات – إنما هو تعبير عن نموذجية ما تسود تفكيرنا، غير قادرة على التعامل مع الظواهر بشكل تفكيكي، والموسوعة بعد هذا حافلة بمئات التفاصيل، منها ما يخص الهجرات اليهودية، ومنها ما يخص الأقليات اليهودية في البلدان المختلفة، هذا فضلاً عن المذابح والأوضاع الاقتصادية والعقائد، وإسهام اليهود في العلم والآداب والفن ووضع الأيديولوجيات العامة، إلا أن هذه المعلومات  والتفصيلات ليست مقصودة لذاتها – أي لينتقل القارئ من حالة الجهل بها إلى حالة العلم، هي مسوقة لتوضيح تلك الجدلية القديمة الجديدة بين اليهود والسياقات الحضارية التي يوجدون فيها وبعد فلعل أحرص ما حرصنا عليه هنا التجافي عن ذكر التفصيلات لعلمنا التام بأننا لو ذكرنا كل التفاصيل ما عدا واحدة فلن يكون ذلك – من حيث الأهمية – إلا كما لو ذكرنا تفصيلة واحدة وتركنا الباقيات، لقد استغرق إعداد هذه الموسوعة خمساً وعشرين سنة ، فكم من الزمن يحتاج استيعابها ؟ فضلاً عن دراستها بغرض نقدها ، لقد جرت العادة في مثل هذه الأعمال الضخمة أن يكون الكم والكيف متعاكسين ، لكننا في هذه الموسوعة نجد الكم في خدمة الكيف، والكثرة المعلوماتية في خدمة التركيز الفكري، لقد جاء هذا العمل – بما يقوم عليه من نسف الازدواجية، ونسف الحلول التلفيقية – تنبيهاً لأولئك الذين لا يجزعون حينما تقترن الأطروحة بنقيضها، فيخلفان مسوخاً ذهنية وواقعية أمام عيون آلهتها الذين خلقوها، ولا إشكال هناك فالمهم ألا يتسخ الفراش، وأخيراً فلعل القارئ يوافقنا على أن الحديث الدقيق عن موسوعة يحتاج على الأقل إلى موسوعة .

•    عرض الدكتور/ صلاح الدين عبدالله – باحث من مصر.

خليك معنا

آخر الأخبار

مرحبا بعودتك!

تسجيل الدخول إلى حسابك أدناه

استرداد كلمة المرور

الرجاء إدخال اسم المستخدم أو عنوان البريد الإلكتروني لإعادة تعيين كلمة المرور الخاصة بك.

أضف قائمة تشغيل جديدة